القصة
تُعرف القصّة بأنّها مجموعة من الكلمات وعبارات التي تُسرد على شكل أحداثٍ يُمكن أن تكون حقيقةً أو من الخيال، أو جامعةً بينهما، وقد تكون القصّة خاصّة بالكبار أو بالأطفال، وسنتطرّق هنا إلى القصص المتعلّقة بالأطفال.
يرتبط نوم معظم الأطفال غالباً بالقصّة؛ حيث إنّهم لا يُفضّلون النوم إلّا إذا قام أحد الوالدين أو الأخوة بقراءة بعض القصص القصيرة الممتعة لهم، ومن أكثر أنواع القصص الّتي يُفضّلها الأطفال ويرغبون بسماعها هي القصص التي تتحدّث عن المغامرات، بالإضافة إلى القصص المتعلّقة بالحيوانات والصداقة.
تعدّ القصص المتعلّقة بالأطفال مفيدةً جدّاً لنمو الطفل؛ حيث تساهم في زيادة نسبة ذكائهم وتخيّلاتهم، واستخدامهم لعقولهم، ومن الممكن في هذه الحالة أن يصبح الطفل في المستقبل ذا فكرٍ عميق ومُميّز، لأنّ أغلب الأفكار الإبداعيّة تأتي من واقع الخيال.
ذكاء صغيرة
كانت هناك فتاة صغيرة ذكيّة تعملُ في بيتِ القاضي، فتنظّف البيت، وتطهو الطعام، عندما انتهت ذاتَ يومٍ من عملها أعطاها القاضي ديناراً، وعلى الرّغم من أنّ الأجرَ كان قليلاً وزهيداً مقارنةً بجهدها، أخذته وذهبت به إلى منزلها، وعندما رأت أمّها قالت لها: أمّي لقد أعطاني القاضي ديناراً، قالتِ لها الأمُّ: ولكنك تستحقين أكثر من هذا، فردّت الفتاة قائلةً: ولكنّني ذهبت إلى السوق واشتريت دبساً قبل أن آتي إلى البيت.
ردّت الأم على ابنتها: حسناً فعلت يا ابنتي، فقالت الفتاة: لقد وضعت إناء الدبس على النافذة، ووضعت الغربال فوقه حتّى لا يأكله الذباب، فقالت الأم: إنّك فتاة مدبّرة، خيراً صنعتٍ يا ابنتي.
نامتِ الفتاة تلك الليلةَ نوماً هنيئاً، وفي الصباحِ نهضت وغسلت وجهَهَا ويديها، ثمّ جلست إلى جانبَ الجدارِ تستمتع بأشعَّةِ الشمسِ، ولكنَّها بعد ساعةٍ أحسّتْ بالجوع، ففنادتْ أُمَّها وقالتْ: أنا جائعةٌ يا أُمي، سأحضرُ الخبزَ والدبسَ لنتناولَ الفطور. ذهبت الفتاة إلى النافذة، ورفعتْ الغربالَ عن وعاء الدبس فوجدتِ الذبابة قد دخلت من ثقب الغربال وأكلت جميع الدبس، فأصابها الحزن الشديد، وقالت لأُمّها: الذبابةُ أكلتِ الدبسَ يا أمّي يا لها من ذبابة ظالمة سأذهب وأشكوها إلى القاضي، فأجابتها الأم هذا حقّك.
ذهبت الفتاة إلى المحكمةِ لتشكو عن هذه الذبابة فقالتْ للقاضي: إنّك تعلم أنّي فتاة صغيرة، قال لها القاضي: ولكن ستكبرين، ثمّ أضافت الفتاة: وأسكن مع أمّي وبيتنا من طين، أجابها القاضي بهدوء: أنت وأمّك بالقليل تقنعان، ثمّ أكملت الفتاة قائلةً: واشتريت بدينار دبساً حتى نفطر سويا وبعد ذلك وضعت إناء العسل على النافذة بعدما غطأته بالغربال، ضحِكَ القاضي وقال: نِعمَ ما تُدبّرين.
وأكملت الفتاة حيثها للقاضي: ولكنّني في الصباح أحسست بالجوع، قال لها القاضي: فأحضرتِ الدبس؟ ردّت الفتاة: نعم، ولكنّني وجدت الذبابة قد أكلت الدبس جميعه، ولم تبقِ شيئاً لي. ضحك القاضي وقال: كم هي ظالمة تأخذ ما ليس لها وتتعدّى على حق الآخرين، فردّت الفتاة وهي حزينة: نعم، لذلك جئت أطلب منك إنزال أشدّ العقاب بالذباب. فكَّرَ القاضي طويلاً وقال: نعم، إنّها مسألةٌ صعبةٌ، ثمّ أمسك القلمَ وأخذ ينظرُ في الأوراقِ.
وبعد فترةٍ من التفكيرِ قالَ: يا بنيتي الصغيرة، فردّت: أجلْ يا قاضيَ البلدِ ماذا أفعل؟ قال لها القاضي سأصدر حكما وهو أنّه إذا رأيت ذبابةً اقتليها، انزعجتِ الفتاة من هذا الحكمِ الّذي لا يؤذي الذبابة، ولا يُرجع لها الدبس الذي فقدته، فظلّتْ واقفةً أمام القاضي في حيره تُفكّر وتنظر إلى ملامحه الجادّة حتى رأت ذبابةً تقف على أنف القاضي دون أن تتحرّك.
ضحكت الفتاة وقرّرت تنفيذ الحكم على الذبابة في الحال، فأمسكت بمنديلها وضربتْ به الذبابة، فانزعج القاضي وانتفض مذعوراً، وصرخ بَها قائلاً: ماذا فعلتِ أيّتها الفتاة، فردَّتْ مبتسمةً: نفذتُ حكمَكَ، وقتلتُ الذبابة، حرّك القاضي أنفه منزعجاً لكنّه ابتسم ابتسامةً عريضة وقال لها: أحسنت يا صغيرتي.
السلحفاة العنيدة
كانت هناك غابةٌ صغيرة وجميلة عاشت فيها مجموعات كثيرة من السلاحف حياةً سعيدة لعشرات السنين، وكانت هذه الغابة هادئة جدّاً لأنّ السلاحف تتحرّك ببطء شديد دون ضجّة أو صوت يؤذي من حولها.
كانت هناك سلحفاة صغيرة تُدعى لولو، وهي ذات دلع شديد، فكانت تحبّ الخروج من الغابة والتنزه في الأودية المجاورة لغابتها، رأت أرنباً صغيراً يقفز بحريّةٍ ورشاقة وخفّة، فتحسّرت لولو على نفسها وعلى حركتها البطيئة وثقل وزنها عند المشي، وقالت في نفسها: لعلّني أستطيع التحرّك مثله، إنّ منزلي الثقيل هو السبب، يا ليتني أستطيع التخلّص منه حتى أكون أرشق منه ألف مرّة.
قالت لولو لأمّها: أريد نزع بيتي هذا عن جسمي كي أتحرّك بسرعة، قالت الأم: لا تُفكّري هكذا؛ فهذه فكرة سخيفة، لا يمكن أن نحيا دون بيوت على ظهورنا! نحن السلاحف نعيش هكذا منذ أن خلقنا الله لأنّها تحمينا من البرودة والحرارة والأخطار التي نواجهها. قالت لولو: لو أنّني بغير بيت ثقيل كهذا لكنت رشيقةً مثل الأرنب، ولعشت حياةً عادية. قالت أمّها: أنت مخطئة؛ هذه هي حياتنا الطبيعيّة ولا يمكننا أن نبدلها ونصنع لنا حياةً غيرها.
سارت لولو تُفكّر وتبكي دون أن تقتنع بكلام أمّها، فكّرت لولو مليّاً ثمّ قرّرت نزع البيت عن جسمها ولو بالقوة، وبعد محاولات متكرّرة، وبعد أن حشرت نفسها بين شجرتين متقاربتين نزعت بيتها عن جسمها فانكشف ظهرها الرّقيق الناعم، أحسّت السلحفاة عندها بالخفة، وحاولت تقليد الأرنب الرشيق لكنّها كانت تشعر بالألم كلما سارت أو قفزت.
حاولت لولو أن تقفز قفزةً طويلةً فوقعت على الأرض، ولم تستطع القيام، وبعد قليل بدأت الحشرات تقف على ظهرها الناعم الرقيق وتؤذيها، وأصبحت غير قادرةٍ على السير نهائيّاً بسبب ضعف جسمها لأنّه يرتطم بالأشواك والأشجار الصغيرة والحجارة، فشعرت بالضعف الشديد وأصبحت تبكي من الألم، عندها تذكّرت نصيحة أمّها لها، ولكن متى!! بعد فوات الأوان.
سامر ومغامراته
كان هناك فتىً صغير يُدعى سامر، دائماً فوق حصانه يُطارد غزاله العزيز في تلك الأرض الواسعة، وكانت غزاله جميلة، فركضت يوماً من الأيّام بسرعة حتى لا يستطيع اللحاق بها، وكان يملك أيضاً حصاناً لم يستطع اللحاق بها أيضاً. كان الطريق طويلاً ، أصبح سامر بعيداً عن أصدقائه، ولا يعلم أين أصبح، لقد ضيّع طريق أصدقائه الذين كانوا معه.
ظلّ سامر تائهاً حتى مغيب الشمس، ونفد الطعام الذي كان يمتلكه، وحتى الماء قارب على الانتهاء، وفجأةً ظهرت غيوم في السماء فنزل المطر بشدّة بعد حدوث رعدٍ قويّ. ضاعت معالم الطّريق أمام عودة سامر إلى منزله، عندها قال: أين أنا يا ترى؟ وماذا سيكون مصيري في هذه الليلة؟
فكّر سامر مليّاً، ولكنّه قرّر أن يكون شجاعاً، وأن يلحق بهذه الغزالة التي ضاعت منه، فصعد إلى الجبل وجلس داخل صخرةٍ كبيرة ومعه حصانه المتعب. احتميا معاً بالصخرة من المطر الشديد، وفجأةً سمع سامر صوت الذئاب تعوي، وأصبحت تقترب منه شيئاً فشيئاً كي تفترسه، فحاول أن لا يخاف أبداً وفكّر كثيراً بالهرب ولكنه كان يتراجع عن ذلك، فقرّر أن يتخلّص من هذه الذئاب المتوحّشة.
أشعل سامر عود ثقاب في حزمة من الحطب والأغصان الجافّة، وأوقد ناراً عالية، فالذئاب تخاف النار، فخاف حصانه وهرب ولكن الذهاب لم تتحرك من مكانها، خاف سامر على نفسه وعلى حصانه الهارب، ولكنّه امتلك الشجاعة وصبّر نفسه وهو ينتظر تحت الصخرة، وتعرف على ما هى إلّا دقائق حتّى رأى من بعيد كلبه الأمين يجري ومعه الحصان.
اشتدّ خوف الذئاب لرؤية الكلب، فهربوا ولم يعودوا. تقدّم الكلب الوفي إلى صديقه الذي ظلّ يبحث عنه طويلاً، وفجأة ظهرت غزاله الشاردة، ففرح سامر بها كثيراً، وركب على ظهر حصانه وأخذ كلبه يسير أمامه ليدلّه على الطريق، وبعد عناءٍ طويل وتعبٍ وجوع وصل إلى بيته هو وحصانه وغزاله الجميلة، فأخبر الحكاية لأفراد أسرته وحدّثهم عن شجاعته، فحذروه مرّةً أخرى من الذهاب إلى الغابة إلّا مع أصدقائه كي يساندوه، وفرحوا بشجاعته.
قصة التاجر مع ابنه
يُحكي أنّه كان هناك تاجر له زوجة، وابنة كبيرة، وابن متوسّط العمر، وكان هذا التاجر فقير الحال في بداية حياته، لكنّه كوّن ثروته من عرق جبينه. خشيَ هذا التاجر أن يُضيّع ابنه الثروة بعد مماته، وذلك لكثرة حبّه للعب واللهو، فقرّر أن يُعلّم ابنه درساً ليُحافظ على هذه الثروة، فقال له: أي بني سأخرج أنا للعمل، ويجب عليك الخروج أنت للعمل أيضاً، فإن عدت في المساء ولم تنجز عملاً لن تستحق وجبة العشاء لهذه الليلة.
عند عودة التاجر من عمله إلى بيته سأل ابنه: أي بني أعلمني ماذا أنجزت هذا اليوم؟ وماذا جنيت من عملك؟ فاخرج الابن مبلغاً من النقود (النقود التي أعطته إيّاها أمه سابقاً)، ووضعها أمام أبيه وقال له: هذا ما جنيته يا أبي، فطلب التاجر من ابنه أن يرمي النقود في البئر، فركض الولد ورمي كل ما يملك في البئر. نظراً لذكاء الأب تأكّد بأنّ هذه النقود ليست من عرق جبين ابنه، وأنّه حصل عليها من أمّه.
في اليوم التالي طلب التاجر من زوجته أن تذهب لبيت أهلها لزيارتهم والمكوث عندهم بضعة أيّام، وطلب من الابن الخروج والعودة في المساء بنقود يجنيها من عمله، ففكّر الولد أن يأخذ مبلغاً من أخته، وفعلاً ذهب إليها وطلب منها مبلغاً من المال، فلم تُعارض الأخت طلب أخيها ولم تردّه فأعطته المبلغ المطلوب، وعند عودة الأب في المساء كرر نفس ذلك السؤال: أي بني أريني ماذا جنيت هذا اليوم من عملك؟ فأخرج الولد تلك النقود التي أخذها من أخته، ووضعها أمام أبيه وقال له: هذا ما جنيت يا أبي.
فطلب الأب منه أن يرمي هذه النقود في البئر كسابقتها، فركض الولد وألقى بكل ما بحوزتة من نقود في البئر، فعلم الأب أنّ ابنه قد أخذ النقود من أخته فقرّر أن يرسلها هي الأخرى إلى أمّها، وفي صباح اليوم الثالث هدّد الأب ابنه بأنّه لن يسمح له بالمبيت داخل المنزل إذا لم يعد في المساء ببعض النقود، فخرج الابن من المنزل وبدأ يتجوّل في الأسواق حتى رأى محلّاً فيه بضاعة وُضعت أمام المحل، فسأل صاحب المحل عن عملٍ له، فاتّفق الطرفان على أن يُدخل البضاعة إلى المحل، وأن يقوم بترتيبها بشكلٍ جميل داخله مقابل مبلغٍ نقديّ.
بدأ الولد بالعمل حتّى انتهى ممّا طلب منه صاحب المحل، وتقاضى أجره كاملاً، وعاد للبيت، وفي المساء جاء الأب وسأل ابنه: ماذا جنيت يا بني؟ فأخرج الولد ما تقاضاه من ذلك التاجر، ووضعه أمام أبيه، فطلب الأب من ابنه أن يرمي تلك النقود في البئر، فتردّد الابن كثيراً وبدأ بالبكاء، وقال لأبيه لكنّك لا تعلم يا أبي كم تعبت حتى حصلت على تلك النقود، وأنت الآن تطلب منّي أن أرميها في البئر، فضحك الأب، وقال لابنه: الآن أنا مطمئن على ثروتي.
قصّة ملك الضفادع
كانت هناك مجموعةٌ من الضّفادع الّتي تعيش بسلام داخل إحدى البرك، وفي يومٍ من الأيّام قرّرت الضفادع بأنّها تحتاج إلى ملكٍ كي يدبّر لها أمورها، فاختلفت فيما بينها بالضفدع الأجدر لأن يكون ملكاً عليهم، فطلبت من حاكم الغابة أن يُرسل إليها ملكاً غريباً من صنفٍ آخر، ولأنّه أراد السّخرية منها قام بإرسال طائر اللقلق كي يعيش بينها ويحكم في الأمور.
فرحت الضفادع بقدوم الطائر، وأقامت حفلةً رائعة داخل البحيرة لتعيينهم ملكاً جديداً، ولكنّها تفاجأت لعدم استجابة الطائر لها، وجلوسه وحيداً دون أن يتكلّم معها، فقالت الضفادع: ربّما لأنّه جديد يخاف منّا، سنتعرّف عليه غداً.
نامت الضفادع بهدوءٍ واطمئنان، وكان الطائر يتحضّر لأن يأكلها، ولكن استيقظ أحدها من نومه فجأةً، وحذّر أصدقاءه من الطائر وقال لهم بأنّه شرير، فاختبئت الضفادع في أماكن آمنة، حتّى ذهب الطائر وغادر، وشكروا زميلهم الضفدع على تنبيهه إيّاهم وتعلّموا بألّا يضعوا ملكاً جديداً غريباً عنهم.