لا تخلو أية ثقافة من الثقافات من قصص خلدت أسمى المشاعر الإنسانية، حيث تحاول الثقافات دائماً إظهار كل ما لديها من جوانب إنسانية مختلفة ومتألفة، تظهر بها وجهها الجميل وصورتها الحضارية لباقي الثقافات. ومن هذه المشاعر التي خلدتها هذه الثقافات مشاعر الحب سواء كان الحب بين الرجل والمرأة أو حب الإنسان لأي شئ آخر، ولكن الحب بين الرجل والمرأة استحوذ على اهتمام الناس بشكل كبير، وخصوصاً من اشتغلوا بالفنون والآداب، حيث خصصوا جلّ أعمالهم لوصف وتخليد هذا النوع من المشاعر، فالفن اقترن اقتراناً وثيقاً بهذه الأمور، ومن هنا كان الفن قريباً غلى قلوب الناس، يسهل أن يتسلل إليهم ويسبب لهم الراحة في أوقات التعب والاطمئنان في أوقات الفزع، حيث أن الفن يلامس قلوب الناس ويخرج اجمل وافضل ما فيهم، عندها يتعرف الإنسان على جوانب مخفية غير بارزة فيه، جواهر ثمينة غير مكتشفه، فبالفن تظهر هذه الجواهر أمامه ويكتشفها ويعمل على تنظيفها مما علق بها من مقبوحات، فتظهر هذه الشحصية الجميلة للناس، هذه هي الوظيفة الأساسية للفنون.
وقد تميز العرب دوناً عن باقي الأمم والثقافات بمشاعرهم الفياضة ، وهم بهذه المشاعر كانوا احسن وأفضل الناس والأمم شعراً، فالشعر العربي قادر على أن يسلب الألباب من جماله وروعته ووصفه الدقيق لما يختلج في صدور الناس من أحاسيس رقيقة، وقد تركز شعر العرب قبل الإسلام وبعده على وصف المشاعر الإنسانية، فخلد لنا التاريخ شعراء عظام كالشاعر قيس بن الملوح والذي لقب بمجنون ليلى.
قصة الحب التي جمعت ما بين قيس بن الملوح وليلى ابنة عمه هي قصة من قصص الحب الخالدة ، وهي قصة عربية بامتياز تظهر جانباً من العادات العربية والأهم من ذلك أنها تظهر مدى رقة قلب العربي وسرعة هيامه على عكس ما يظن الكثير من الناس ، فلو أن العربي هو إنسان قاس القلب متحجر لما نطق لسانه اجمل وافضل شعر العالم ولما كانت الفنون راقية كتعرف على ما هى عندنا.
أحب قيس بن الملوح ابنة عمه ليلى منذ صغره، حيث كبرا مع بعضهما البعض وتربيا أيضاً في نفس البيئة وقد ذكر هذا في أبياته الشعرية، ومن هنا تعلق فؤاد قيس بليلى تعلقاً لا مثيل له فعشقها وهي أيضاً بادلته نفس المشاعر الصادقة، وزاد ولعه بها عندما كبرا، وخصوصاً بعدما حجبت عنه بسبب العادات البدوية آنذاك، فتمنى حينها أنهما لم يكبرا ليبقى هو بجانبها وتبقى بهجة الحياة وجمالها فيها.
من شدة ولعه وتعلقه بليلى وهيامه بها، تقدم قيس فطلب ابنة عمه للزواج فرفض أهلها طلبه وذلك بسبب العادات العربية والتي تستمد أصولها من الجاهلية، حيث كان العرب يرفضون تزويج من ذاع حبهم وانتشر بين الناس وكانوا يعتبرون ذلك عاراً كبيراً على عكس سنة الرسول والإسلام حيث قال الرسول في حديث شريف له " لا أرى للمتحابين إلا النكاح"، ولا تزال بعض هذه العادات موجودة إلى اليوم في بعض البوادي والقرى. وفي نفس الوقت خطب ليلى رجل آخر من ثقبف فوافق أهلها عليه وغصبوها غصباً على الزواج منه، وقد شطر هذا الزواج قلب شطرين و بدأت معاناته، فلم يستقر بعدها في مكان معين بل ظل هائماً حيراناً تائهاً في البلاد فساعةً يراه الناس في الشام وساعة يرونه في نجد وساعة في الحجاز، وفي تجواله أنشد العديد من الأشعار التي كانت في الحب العذري، إلى أن وجد ميتاً في البرية ملقى بين الأحجار فحمل إلى أهله.
يذكر أن قيساًُ عاش وليلى عاشا في العصر الأموي، حيث توفي قيس في العام 68 من الهجرة. ولم يكن قيس وحده من يقول الشعر بل كانت ليلى أيضاً شاعرة وكانت تغازله بأبياتها الشعرية.