القصص القرآني
أورد الله تعالى في القرآن الكريم العديد من القصص المهمّة ذات المعاني والدلالات والعبر المستفادة؛ حيث عملت مثل هذه القصص على تثبيت قلوب المؤمنين في أوقات الشدّة من خلال إخبارهم بأنّ محنتهم تعرف على ما هى إلّا ابتلاء من عند الله تعالى، وأنّ الله تعالى سيبدلهم خيراً مما هم فيه، وأنّه معهم، ولن يُضيّعهم ما داموا مُخلصين له في عبادته، وتوحيده.
من أبرز القصص التي ورد ذكرها في كتاب الله قصة أصحاب الأخدود، الذين صبروا على ابتلائهم العظيم، وعلى أذى أعداء الله تعالى، وفيما يلي تفاصيل هذه القصة العظيمة.
أصحاب الأخدود
هوية أصحاب الأخدود
ورد ذكر أصحاب الأخدود في سورة البروج، قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
ممّا قيل فيما يتعلّق بهوية أصحاب الأخدود أنهم من أهل نجران من شبه الجزيرة العربية، غير أنّ ابن كثير -رحمه الله- أورد احتمالات أخرى في تفسيره، فقال إنّهم من أرض فارس، وإن المحرَّقين هم العلماء الذين أبوا إباحة زواج المحارم كما أراد الملوك هناك، وقال أيضاً إنّهم نفر من بني إسرائيل، حفروا الأخدود، وأضرموا النيران فيه، أمّا الاحتمال الأخير الذي أورده فهو أن المحرَّقين في الأخدود كانوا من أهل الفترة.
قصة أصحاب الأخدود
قص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صحابته الكرام خبر أصحاب الأخدود، ومختصر القصة أنّ فتىً كان يعمل لساحر كبير في السن، والساحر كان يعمل لملك متألِّه في قرية ما، وقد كان الفتى وهو في طريقه إلى الساحر يمرّ براهب فيسمع منه، فأعجب الفتى بكلام الراهب، واستيقن منه بفضل الله تعالى. علم الفتى من الراهب أنّ الابتلاء سيقع عليه، وأنه سيفتتن، وطلب الراهب من الفتى أن لا يدلّه على مكانه إذا ما تعرض للعذاب.
وهب الله هذا الفتى قدرات عظيمة منها شفاء المرضى من أسقامهم، وقد تناهى خبره إلى واحد من جلساء الملك كان قد عمي، فذهب إلى الفتى حاملاً معه الهدايا حتى يرغِّبه بها، فقال له الفتى إنّ الله تعالى هو الشافي، وأنه سيدعو الله أن يرد إليه بصره إن هو آمن بالله، فآمن جليس الملك، وصار مبصراً.
قصَّ جليس الملك خبره على الملك، وأخبره بثقةٍ أنّ الله تعالى شافاه وعافاه، وردَّ إليه بصره، فأنزل به الملك أشد أنواع العذاب، حتى دل على الفتى، فأمر بإحضاره، وأنزل به العذاب الشديد، حتى دلَّ الفتى على الراهب.
حاول الملك ثني الراهب عن دينه، فرفض، وصبر؛ فأمر الملك بنشرِ الراهب من رأسه بالمنشار حتى انقسم الراهب إلى قسمين، وفعل بجليسه كما فعل بالراهب، أمّا الفتى فأُخذ من قبل جنود الملك إلى قمة جبل وخُيِّر هناك ما بين الكفر بالله تعالى وإلقائه من فوق الجبل، فرفض الفتى أن يكفر بالله، ودعا الله أن ينجيه منهم، فسقط الجنود عن الجبل بسبب هزة حدثت أسفل أقدامهم.
عاد الفتى إلى الملك، فأمر الملك جنوده مرّةً أخرى أن يأخذوا الفتى إلى عرض البحر، فيعاودوا تخييره، وعندما فعلوا دعا الله تعالى، فأنجاه منهم، وعاد الفتى إلى الملك سالماً، وقال للملك إنّه لن يستطيع أن يُجهز عليه إلّا إذا جمع الناس، وصلبه، ووضع سهماً في القوس، وقال: (باسم الله رب الغلام)، عندها فقط سيستطيع قتله.
فعل الملك ما أمره الفتى به أمام الناس، عندها استشهد الفتى المؤمن، وآمن الناس الذين حضروا بأمر من الملك، فأمر الملك بحفر حفرةٍ في الأرض، وإشعالها بالنيران، وإلقاء المؤمنين فيها.