كانت البشرية بعدَ بعثة سيّدنا المسيح عيسى بن مريم عليهِ السلام بفترةٍ من الزمان قد ماجَت في بحار الضلال والبدع والشرك وخُصوصاً في الوقت الذي سبقَ رسالةَ النبيّ مُحمّد عليهِ الصلاة والسلام، وهيَ الفترة التي ظهرت فيها الجاهليّة وعبادة الأصنام من دون الله؛ حيث كانت مكّة وهيَ أرض التوحيد والإيمان مركزاً لعبادة الأصنام بين العرب، وفيها كانت تجارة الأصنام التي أدخلها عمر بن لحي إلى الجزيرة العربيّة عامّة.
عام الفيل
في خضمّ هذهِ الأجواء من الشرك والضلالات ما زالَ عندَ العرب وقتها إجلالٌ للكعبة المشرّفة ومهابةٌ لها، فقد كانت تفِد إليها الوفود من كافّة الأقطار على الرّغم من شركهم، وأثارَ هذا الأمر حفيظة ملك اليمن وأصلهُ من الحبشة ويُدعى أبرهة والملقّب بالأشرم، فأرادَ بناء كنيسة يقصدها العرب بدلاً من الكعبة، فبنى لهُم في صنعاء كنيسةً أسماها القُلّيس وعزمَ أمرهُ على أن يهدمَ الكعبة، فتوجّهَ بجيشٍ جرّار ومعهُ الفيلة نحوَ الكعبة يُريد هدمها، وحاربَ كُلّ من يقف في وجهه، فكانَ أن صرفَ الله كيدهُ عن بيتِ الله الحرام وألقى عليهِم من السماء حجارةً من سجيل ألقتها عليهِم طيورٌ بأسرابٍ هائلة فكانوا عبرةً لمن بعدهم، وبعدَ هذهِ الحادثة المعروفة باسم حادثة الفيل سمّى العرب هذا العام الذي صرفَ الله بهِ الشرَّ عن بيتهِ المحرّم بعام الفيل.
تاريخ ولادة النبيّ مُحمّد عليهِ الصلاة والسلام
في هذا العام الذي شهدَ مُعجزةَ حمايةِ الكعبةِ المُشرّفة أرادَ الله جلّ جلاله أن يولدَ الرجل الذي يحمي البيت والكعبة من الشرك بإذنهِ تعالى، وقد اصطفى الله جلّ جلاله من بين كُلّ الخلق لحمل رسالة التوحيد والحقّ سيّدنا مُحمّد بن عبد الله بن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيَ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، وهذا النسب الشريف للنبيّ المُصطفى عليهِ الصلاةُ والسلام المولود في يوم الإثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل الذي حدثت فيهِ حادثة الفيل المذكورة آنفاً.
وقدَ نشأَ عليهِ الصلاةُ والسلام يتيماً؛ حيث توفّي أباهُ عبد الله قبلَ أن يولدَ عليهِ الصلاةُ والسلام، كما أنَ أمّهُ آمنة بنت وهب قد توفيت وهوَ علليهِ الصلاةُ والسلام ما زالَ في سنّ السادسة من عُمره، فكانَ يتيماً فآواه الله، وأعطاهُ النبوّة والرسالة، وقد عاشَ عليهِ الصلاةُ والسلام ثلاثاً وستّينَ عاماً كانت كُلّها جهادٌ ودعوةٌ إلى الله.