إنّ ظهور قوم يأجوج ومأجوج من علامات و دلائل الساعة الكبرى، وهم قوم من بني آدم، لم ينفق العلماء والمؤرخون على أصلهم، هل هم أبناء يافث بن نوح، أم أنّ آدم عليه السلام احتلم امتزجت نطفته بالتراب وخُلق منها يأجوج ومأجوج. ولكن الثابت أنّهم قومٌ حبسهم ذو القرنين في غابر الزمان؛ وبنى عليهم سداً بين جبلين من الحديد وأذاب عليه النحاس، وهم محاصرون بهذا السدِّ إلى آخر الزمان، حتى يفتحوا فيه فتحة تكفيهم للخروج. وقد كانوا قوماً مفسدين ودليل ذلك ما جاء في قوله تعالى (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا)، أي سدَّاً يحميهم من قوم يأجوج ومأجوج لشدة ما أفسدوا لقوتهم وجبروتهم.
منذ قديم الزمان وقوم يأجوج ومأجوج يحاولون هدم السد ليخرجوا، ولكنهم في كل يوم يشارفون على هدمه؛ ينتهي اليوم فيتركونه لصبيحة اليوم التالي، فيعودوا ليجدوه أشد منعة من ذي قبل، ولا يكلُّون ولا يملُّون، حتى يأتي يوم يقول لهم أميرهم (ارجعوا إليه غداً فستحفرونه إن شاء الله)، فيرجعون إليه فيجدونه على حاله التي تركوها عليه؛ فيحفرونه ويخرجون على الناس، ويأكلون الخضر واليابس، ويشربون الماء؛ حتى أن أولهم يشرب من بحرية طبرية، وعندما يمر آخرهم يقول كان هُنا ماء. ويكونون متفوقين عدَّةً وعتاداً، وذلك ما يضمن لهم الاستمرار في فسادهم والتقدم في مسيرهم. وهم أكثر أهل النار لحديث النبي عليه الصلاة والسلام (أن الله عز وجل يقول لآدم يوم القيامة: أخرج بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، ففزع الصحابة – رضي الله عنهم – وقالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ فقال – عليه الصلاة والسلام (أبشروا فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً).
يأتي ترتيبهم من علامات و دلائل الساعة الكبرى بعد خروج المسيح الدجال والمسيح عليه السلام، وعلى الأخص بعد أن يقتل المسيح عليه السلام المسيح دجال. فيعيثوا في الأرض فساداً، فيأمر الله المسيح عليه السلام ألا يقاتلهم، ويذهب بمن معه من المؤمنين إلى جبل الطور. وهُنا؛ يبنون – أي قوم يأجوج ومأجوج – صرحاً عظيماً، يطلعون عليه ويرمون سهاماً في السماء، فتغيب السهام وتعود مملوءة بالدماء، فيقولون (قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء). وهذا من شدة فسادهم وكفرهم. فيرسل الله عليهم دوداً يخرج من خلف رؤوسهم فيقتلهم، وذلك بدعاء المؤمنين مع سيدنا عيسى عليه السلام، وتتناثر جثثهم في شتى بقاع الأرض.
وهناك قولان لمصير تلك الجثث، الأولى أنّ الله يرسل طيوراً كأعناق الإبل فتحملهم وتطرحهم حيث يشاء، والثاني يصبحون طعاماً لدواب الأرض حتى تسمن من كثرة لحومهم، ويأمن الناس بعدها وتخرج الأرض ثمارها وبركاتها، ويحج المسلمون إلى بيت الله الحرام، كما جاء في الحديث الشريف (ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج).