الجمال هو ذلك السر الإلهي في هذا الكون مترامي الاطراف، والذي يبرز في كل تفصيلة من تفاصيله وكل مخلوق، فهو يعكس جمال الخالق وجمال صفاته، فهو الذي أبدع هذا الكون وهو الذي صاغ قوانينه التي تحكمه والتي توفر الهناء لكافة المخلوقات. لنتخيل الحياة بدون الجمال كيف ستكون، حياة زائفة مملة قاتمة شديدة السواد والبشاعة لا يوجد فيها شئ مقنن، إذ إن الجمال الكوني عو علامة وجود القوانين الكونية التي تحكمه وتديره.
لا يمكن حصر الجمال بزاوية معينة فقط، فالجمال موجود في كل الأشياء في تكوين الإنسان في المرأة في الرجل في الطبيعة وفي الموسيقى في الفنون في العلوم في المدن والأرياف في الصحارى والبحار والمحيطات في السماء وفي الأرض في العدل الإلهي، في الصفات الأخلاقية الرفيعة، في النهضة والتألق ومجابهة الصعاب في كل شئ. فالجمال قد يكون مرئياً أو محسوساً مستشعراً أو مسموعاً أو ملموساً.
عدم مراعاة الجمال في كافة التفاصيل، سببه الأول هو موت القلب وموت الروح التي خلقها الله في الإنسان وحده دون غيره ليتميز بها، فالروح لا تقبل البشاعة ولكن الإنسان بتصرفاته ومعتقداته قد يعطلها ولا يستغلها، لذلك فعدم استغلال الروح ينتج بالضرورة مجتمعاً بشعاً قاتماً تغلب عليه الحروب والنزاعات والقتل والدمار.
ولا يخفى على أحد أن غياب الفنون التي ترمز إلى الجمال بالدرجة الأولى، فهي المعبر الأول عن الجمال وهي المجسد له، فغياب هذه الفنون سواء بالرفض المجتمعي لها أو بالرفض الديني أو بالرفض السياسي لها سيولد الجريمة والصراعات بين أفراد المجتمع، وسينتج المشوهوين من الناس الذي لا يلقون بالاً ولا يكترثون بأي شئ حولهم فهم قد فقدوا أرواحهم الجميلة بالدرجة الاولى وقد مات كل إنساني فيهم، فيصبحون خطراً على من حولهم، فأي إنسان على سبيل المثال يرفض الموسيقى عموماً، فهو إنسان يجب الحذر منه واتخاذ أشد الاحتياطات عند التعامل معه، لأنه لا يعرف معنى لتعرف ما هو الجمال فروحه معطلة وقلبه أسود ونفسيته شريرة وهو بالقطع يعاني من اختلالات نفسية كبيرة ستؤثر عليه وعلى من حوله.
علامة الجمال ووجوده الأساسية هي إحداث تغيير في النفس عند مشاهدة أو سماع أو قراءة أو عمل كل تعرف ما هو جميل، فبعد الاحتكاك بالجميل بأي طريقة كانت، تتغير الأمزجة وتقوى الروحانيات وتتهذب النفس، بسبب سعيها الدائم إلى تقليد ذلك الجميل أو على الأقل الاستمرار في الاحتكاك به، فارتباط الجمال الأول هو بالروح ومن ثم النفس فأصحاب الأرواح العظيمة هم بلا شك من تعرضوا لجرعات كبيرة من الجمال.