الخشوع هو الإنكسار لله تعالى، والشعور بأنّ الله يراقب الإنسان، فيفرّ من كل ما يغضب الله، والإنكباب والإعتكاف على كلّ ما يحبّه الله، ولا يمكن أن يتمكّن الخشوع من القلب إلا إذا أحبّ الإنسان الله وشعر بوجوده معه في كل كلمة ينطقها أو همسة يشير بها أو إطراقة أو إشارة بطرف العين؛ إنّ الإنسان تتغيّر صفاته حين يكون مع من يحبّ، فيجهد نفسه بالتحلّي بجمال الصّفات وحسنها، ويداوم على إظهار ما يرغب به المحبوب و إخفاء ما يبغضه، فكيف إذا صار هذا الشعور إلى القلب مع الله مالك الملك الذي بيده كلّ شيء، لاشكّ أنّ الأثر سيكون عظيما لأنّ المحبوب عظيم.
تظهر علامات و دلائل الخشوع على الإنسان في كل جزئيّاته مهما صغرت، فتصرّفاته محكومة ومضبوطة بحكم الله وشرعه، إذ يظل يتذكّر أنّه مراقب وأنّه بفعله للخيروقيامه بحقّ الله عليه سينال الرّضا من ربّه الذي يحبّه، وبإقدامه على ما يعصي به الله ويغضبه فسيصيبه غضب الله عليه وهذا ما لا يطيقه، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى، أي الطاحون من البكاء، وهذا من العلامات و دلائل التي تظهر في أداء الفرائض، كما كان يكثر من الاستغفار في اليوم وهو النبيّ الذي عصمه الله من الزلل، والذي لو أرادمن الله ما أراد لأجابه فكيف بالبشر الذين جبلوا على الزّلل والخطأ، لاشكّ أن هذا أدعى أن يلتزم الناس بالإستغفار الدّائم الذي يدل قطعاً على حسن الخشوع واستقراره في القلب. ومثلما حثّ القرآن والسنة الشريفة على الخشوع فقد حذّر النبي من عدم الخشوع، فاستعاذ من القلب الذي لا يخشع.
و للخشوع فوائد جمّة ، فهو يجعل الإنسان منشغلاً بإرضاء الله عزّ وجلّ دائم العمل دون فتور أو أناة لا يهدأ له جفن، يسعى إلى التزوّد من الأعمال الصالحة، التي يقتنع بأنّها الرصيد الوحيد الذي عليه أن ينمّيه ويزيد في كنزه ويودع منه قدر الإستطاعة عند ربّ السماوات والأرض الذي يضاعف تلك الأعمال، وعنده الحسنة بعشر أمثالها، ولا خسارة في التّجارة مع الله جلّ جلاله. والخشوع يخلق الحرص الشديد عند الإنسان بأن يشتغل بالعلم النافع والعمل الصالح، فهناك دافع عظيم يقوّي من صلابته وعزيمته على النهل من العلم والتزود بالعمل الخيّر المفيد له وللمجتمع أجمع، كما أنّ الخشوع ينأى بالإنسان ويُصعد به بعيدا عن الكبر والرياء والغرور، فيبدد ضباب نفسه الذي قد يتراكم نتيجة عدم خشوعه، ويحلّ محله النور والضياء والصفاء، فترتاح النفس، وترى كلّ ما حولها جميلا يدعو للتفاؤل والإقبال على الله.
والخشوع سبب في رقّة القلب وبعده عن القسوة فقد قال تعالى : "أََلَمْ يَاًنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" وهذه القسوة المتأتية من ضعف الخشوع أو انعدامه تؤدّي إلى الفسق والخشوع سبب في الفلاح بنصّ قوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، ولفرط أهميّة الخشوع فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قال " : أول مايرفع من الناس الخشوع".
أمّا مواطن الخشوع فهي في كل صغيرة وكبيرة، ولكنّه ارتبط بالصّلاة أكثر من غيرها لأنّها تتضمّن الكثير من الأعمال كالذكر ، والدعاء ، وقراءة القرآن ، والركوع ،والسجود، فهي أمّ الأعمال، فلم يعف منها نبيّ، و ورد ذكرها و وجوبها على كلّ الأنبياء، وهي فريضة دائمة تجعل العبد على اتّصال دائم غير منقطع بربه؛ لذلك تساهم الصّلاة بدرجة كبيرة في زيادة الخشوع في القلب وتضمن احتفاظه به دائماً، فكلّما تسرّب أو تسلّل إلى النّفس الهوى والشهوة سارعت الصلاة في تنبيه الخشوع وحضوره إلى القلب ليطرد الشهوة شر طردةويثني النفس والجسد عن شر كاد يحيق به.