عجباً كيف يفرّط انسان بأن يكون متّصلاً مع ربّه ، الذي بيده كلّ شيء ، الذي خلَقّهُ ورزَقَه ، وبيده حياته ومماته ، وهو الذي يستحقّ العبادة وحده جلّ جلاله ، عجباً أن يترك الإنسان فرصةً ذهبيةً أن يجلس بين يدي مولاه حتّى يناجيه ، ويتوسّل إليه ، ويسأله ما يشاء ، بل كيف يفرّط أحدنا بالخشوع بين يدي ربّه في عبادة الصلاة الجليلة.
الصلاة يا أيها الأعزّاء هي أعظم ركن في الإسلام ، وهي التي يُسأل العبد عنها أوّل أمرِهِ يوم القيامه ، وهي المؤشّر الأول على صحّة ايمان صاحبه ، وعلى صلاح أعماله بعدها ، فإن كانت صلاته صالحة فقد صَلَحت سائر أعماله ، وإن فسَدت فقد فسَدَ سائر عمله، والذي يترك الصلاة عامداً متعمّداً وهو يُنكر وجوبها فهو بلا شكّ كافر كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفَر ، وأنّ بين المرء والكفر بالله هو ترك الصلاة ، فهيّ إذن عبادة جليلة وعظيمة ويترتب على تركها ذنب عظيم ، وظلم للنفس كبير.
والصلاة هي فرض على كلّ مسلم ، فرض عين ،لا يجوز أن يؤديها عنك أحد ، ولا تسقط عنك مهما كانت حالتك ، أو صحّتك، أو وضعك وفي اى مكان ، حتى لو لم تستطع واقفاً فقاعداً ، وإلاّ جالساً ، حتى إذا لا قدّر الله عجِزت سائر أطرافك وجسدك فعليك أن تصلّيها ولو بقلبك ، نعَم فهي لا تسقط عنّا أبداً،وعلى الإنسان أن يُجاهد نفسه عليها ، ولا يدع للشيطان مجالاً في أن يتركها ، أو يلبّسها عليه ، وحتى تتثبّت على الصلاة عليك أن تُجاهد نفسكَ عليها ، فإن الله عزّ وجلّ وعَدَ الذين جاهدوا فيه بقوله : (( لنهدينّهم سُبلَنا )) ، فإنّ مع المجاهدة تكون الهداية والتثبيت من عند الله سبحانه وتعالى.
وعلى الذي يُريد أن يتثبت على صلاته أن يصلّيها مع الخشوع ، فإنّ الصلاة بدون خُشوع هي مجرّد حركات تُؤدّى ، ولا صلة للقلب الذي هوَ محطّ الاخلاص ومحطّ نظر الله عزّ وجلّ إليه بصلاته ، فإنّ مع الخشوع تحدث الاستقامة والاستمرارية على الطاعة ، ومن الصالحين من جاهدَ نفسه في الصلاة حتّى أحبّها وكانت أرغب إلى نفسه من الماء البارد.
وعليكَ حتّى تتثبّت على صلاتك أن تتذكّر أنها العبادة الوحيدة التي فَرَضها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات ، وتذكّر أيضاً فضائل الأعمال على صلاتك ، وخصوصاً صلاة الجماعة ، وصلاة الجماعة أيضاً تُعين بلا شكّ على الإلتزام والثبات ، لأنّ العبادة مع الجماعة فيها من الإيمان والأخوّة ما يدفع إلى الثبات والإستقامة على الطاعة.
