العقم عند الزّوجين ممكن أن يكون سببه الرّجل أو المرأة أو الإثنان معاً. فعقم الرّجال يتلخّص بعدم القدرة على إنتاج الحيوانات المنويّة أو انتاجها بكميّات قليلة لاتكفي للحمل. فالذين لاينتجون حيوانات منويّة بتاتاً في السّائل المنوي أو أنّ عدد الحيوانات المنويّة قليل هم المعنيّون بهذا المقال.
ففى دراسة أجريناها فى الأردن يتبيّن لنا أنّه أمكن الآن فحص وتشخيص حالة ودرجة عقم الرجال بواسطة الإبر بدل فتح الخصية وأخذ عينات منها بعمليّة جراحية. فعملية أخذ العيّنات بواسطة الإبر بدأت تنتشر فى أوروبا فى السّنوات الأخيرة لما فيها من مميزات تفتقر إليها عمليّة أخذ العينات بواسطة العمليات الجراحية. بهذه العملية نأخذ بالإبرة وتحت التخدير الموضعي عينات متعدّدة من الخصية ومن ثم نفحصها تحت المجهر لنحدّد سبب العقم عند الرجال. لذلك أصبحت هذه العمليّة هى المعتمدة لفحص وتشخيص عقم الرجال فى اوروبا بدل عمليات فتح الخصية.
وهذه العمليّة تجرى بالتّخدير الموضعي الكافي دون أن يحس المريض بشيء ودون الحاجة إلى التّخدير العام. وعادةً نأخذ 10 عينات من الخصية خمس عينات من كل جهة ومن عدّة جهات من الخصية وهذه ميزة كبيرة حيث أنّه فى حالات فتح الخصية جراحيّاً فإنّه لايمكن عادةً أخذ أكثر من عينتين. ولما كانت الخصية مختلفة فى الإنتاج من مكان إلي آخر، فإن أخذ العيّنات بالإبرة هي الطّريقة الوحيدة التى تضمن أخذ عيّنات كافية من أماكن مختلفة من الخصيتين. أمّا مضاعفات هذه العملية إذا أخذت بالإبر فهى تكاد لاتذكر، إذا قورنت بعملية فتح الخصية. فالالتصاقات الجدرانيّة والتليّفات والإلتهابات التي تحدث في حالات كثيرة بعد عمليّة فتح الخصية بعملية جراحية يمكن إلى حد كبير جداً تجنّب ذلك في عمليّات أخذ العينات بالإبر مما يعود بالنفع على هؤلاء الفئة التى تعانى فى الأصل من مشاكل وعيوب فى الخصية وأخذ عينات بالجراحة قد يؤدي إلى زيادة مشاكل وعيوب الخصية المبتلية أصلاً بمشاكل وعيوب كثيرة. أمّا عن دقّة عمليّة أخذ عينات من الخصية بالإبر مقارنة مع عملية فتح الخصية. فإنّ عملية أخذ العينات بواسطة الابرة هى أدق كثيراً جداً من عملية أخذ العينات بواسطة الجراحة. حيث أنّنا يمكننا قراءة كل خلية على حدة لتحديد درجة نضوجها وشكل الحيوان المنوي إن كان سليماً أو به عيب أو نقص، وهذا عادة لايتأتّى بنفس الدقّة فى عينات المأخوذة جراحيا.
أمّا فحص وتشخيص الحالة المرضية للمريض: فمع العملية وقراءة العيّنات نستطيع أن نعطي المريض فكرة واضحة عن مشكلة العقم عنده . فنستطيع أن نحدّد إن كان ينتج حيوانات منويّة وماهي كميّتها ومن أيّة منطقة من الخصية تخرج. وإن لم يكن هناك حيوانات منوية نستطيع أن نحدد ماهي المشكلة أو أنّ هناك احتمالات الاستجابة للأدوية. كما أنّنا نستطيع أن نحدّد أن كان هناك التهابات أو أورام فى الخصية.
وبتساءل البعض عن السّبب فى وجود حيوانات منويّة فى الخصية وعدم وجودها فى السائل المنوي؟ فكما نعلم أنّ الخصية هي مصنع الحيوانات المنوية. ولكن هذا المصنع حتى يصدر الحيوانات المنوية إلي السائل المنوي يجب أن تكون كميّته كافية والطّرق المؤدية إلى الخروج سالكة. فإن كانت هذه الطرق ووسائل مقفلة (كما يحدث فى حالات الإلتهابات أو فى حالات الإنسدادات الخلقية فى الأنابيب) فإن الحيوانات المنوية لن تخرج إلي الخارج مع القذف الطبيعي. وإن كانت الحيوانات المنويّة فى الخصية قليلة فإنّها أيضاً قد لا تظهر فى السّائل المنوي. والطريقة الأحدث المتّبعة الآن فى مختبرنا هي أخذ 10 عينات من الخصية من أماكن مختلفة محدّدة ومعلّمة فى الخصية (أي أنّها ليست عينات عشوائيّة). فإذا وجدنا حيوانات منويّة فى أي مكان فإنّ هذا المكان محدّد ومعروف لدينا فإنّنا في إمكاننا في حالة الحاجة إلي حيوانات منويّة مرّة أخرى ( كتعرف ما هو الحال فى حالة دخول الزوجين إلى برنامج الحقن المجهري فى طفل الأنبوب) نرجع إلى نفس المنطقة ونأخذ حيوانات منوية جديدة أو نجمد حيوانات منوية من هذه المنطقة فى حالة الحاجة لها فى أيام لاحقة.
ولقد كان سابقاً ( أي قبل عدة سنوات) لايمكن الاستفادة من الحيوانات المنوية إن لم تكن تظهر فى السائل المنوي. أمّا الآن فقد أصبح الإستطاعة مع تقدّم العلم من أن نستفيد من الحيوانات المنويّة مهما كان عددها قليل فى الخصية وإن نخرجها من الخصية ونحقنها فى البويضة. وقد حلّت هذه العمليّة كثيراً من مشاكل وعيوب العقم عند الرّجال الذين يعانون من العقم مع وجود حيوانات منوية ( مهما كان عددها قليل ) داخل الخصية. كما حلّت مشاكل وعيوب العقم نتيجة العجز الجنسي أمّا لإصابات فى الأعصاب أو لما هى اسباب أخرى مختلفة. أمّا الأبحاث الجارية الآن فهي إن كان هناك إمكانية الاستفادة من الخلايا الأوّلية التي تسبق الحيوانات المنويّة فى حقن وإخصاب البويضات.
أمّا الإعاقة النّاتجة عن حوادث السير والتي قد يكون ضررها أن تصيب العمود الفقري مما يؤدّي إلى عدم القدرة على الإنتصاب والعجز الجنسى الدّائم. فهؤلاء المرضى يمكن أن يتسفيدوا كثيراً . فبإمكان أخذ عيّنات من الخصية عن طريق الإبرة وسحب الحيوانات المنويّة ومن ثم حقنها فى بويضات الزوجة عن طريق الحقن المجهري فى عمليّة طفل الأنبوب. وقد تم انجاب كثيراً من الأطفال لرجال عاجزين جنسياً بهذه الطريقة.
أمّا فى الحالات التي لا نجد حيوانات منويّة بتاتاً فى الخصية فيبقى لهم أمل فى بعض الحالات وبالمعالجة بالأدوية المختلفة التي قد تحفز الخصية على إنتاج حيوانات منوية. وإن كانت الأبحاث لازالت فى بدايتها لمثل هؤلاء الصّنف من الرّجال وفرصة نجاحها قليلة ولكنّها ليست معدومة.
أمّا للمقبلين على الزّواج فينصح للرجال عمل فحص السّائل المنوي لمعرفة إن كان هناك مشكلة فى عدد أو حركة أو شكل الحيوانات المنويّة وماهي إمكانيّة حلّها. ولعل من المفيد جداً أن نذكر أنّنا فى المختبر قد طوّرنا بعض الوسائل لحل مشاكل وعيوب فئة كبيرة من الرّجال الذين يكون عندهم عدد قليل من الحيوانات المنوية فى السائل المنوي. حيث لجئنا إلى تركيز هذه الحيوانات المنويّة وتخليصها من الشوائب لإعطائها إلى الزّوجة عن طريق الحقن فى عنق رحم الزّوجة (طبعاً بالتّعاون مع طبيب النّسائية الخاص بالمريضة). كما أنّنا نجحنا فى فصل الحيوانات المنويّة الحاملة للكرموسوم الذكري من الحيوانات المنويّة للكرموسوم الأنثوي. ويتم حقن الحيوانات المنويّة المفصولة المفضلة للزوجين فى عنق رحم الزوجة. وقد تم الحصول على نتائج دقيقة تصل الى أكثر من 80% من مجموع الحالات.
أمّا فى الحالات المستعصية والتى لانجد حيوانات منوية فى الخصية فإننا ننصح بفحص الكروموسومات للتأكّد من أنّ المريض لا يعاني من نقص فى الكروموسومات الضروريّة للإنجاب. فى دراسة قمنا بها عن هؤلاء المرضى فى الأردن: تبلغ نسبة الكروموسومات الغير طبيعية حوالي 25% من حالات فقدان الحيوانات المنوية فى الخصية تماماً. وعادة ماتكون حالة هؤلاء المرضى مستعصية. أمّا أكثر التغيّرات الغير طبيعية فهي تتمثل فى نقص فى جزء من كروموسوم الذكورة (كروموسوم Y) أو نقص أو زيادة فى كروموسوم X أو حتى زيادة فى كروموسوم كامل مثل كروموسوم X ( حالات كلينفلتر) .
مما سبق يتبيّن لنا أن مفتاح الحل لمثل هؤلاء الرجال الذين يعانون من العقم تكمن فى أخذ عينات من الخصية بوساطة الابرة وبدون عمليات جراحية ودراسة هذه العينات لامكانية دخولهم برنامج " أطفال الأنابيب" .
الدكتور حسام ابو فرسخ