أصحاب الكهف
ورد ذكر أصحاب الكهف في سورةِ الكهف لِيضرب اللهُ خير مثالٍ في قدرته على إحياء الموتى، فقد كانوا مجموعةً من الشّبان لا يعلم عددهم إلّا قليل، عاشوا تحت ظلّ إمبراطورٍ رومانيٍّ طاغيةٍ يُدعى ديقيانوس، وكان هو وقومه يَعبدون مع الله ما لا ينفعهم ولا يَضرّهم من الأصنام، ويُدافعون عنها ويؤذون كلّ من يَكفر بها.
كان هؤلاء الفتية عُقلاء يُحكِّمون عقلهم ويرفضون السُّجود لغير خالقهم، ويستنكرون تَصرّفات أبناء قومهم، ولم يَجدوا طريقاً للنّجاة بدينهم وأنفسهم إلّا عن طريق الهِجرة من بلادهم؛ فتركوا بيوتهم المُريحة وذهبوا ليستقرّوا في كهفٍ مُظلمٍ، وصار ملاذهم ومأمنهم ليعبدوا الله فيه.
يسّر الله لهؤلاء الفتية كلّ وسائل الرّاحة والأمان في هذا الكهف الموحش؛ فوقاهم من أشعة الشّمس الحارقة؛ حيث كانت تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، وأنامهم الله ثلاثمئة سنة وزادهم تسعاً، ومن رحمة الله بهم أنهم كانوا يتقلّبون في نومهم؛ وذلك كي لا تهترئ أجسادهم، ومن أجل بثّ الرّعب في قلوب من رآهم، فقد كانوا كالأموات ولكن يتحرّكون، وكان كلبهم نائماً على باب الكهف ويمنع دخول أيّ أحدٍ إليه.
استيقظ الفتية بعد كلّ هذه المدة، وكان أوّل استفسارٍ لهم هو المُدة الّتي قضوها نياماً، فمنهم من قال إنّهم ربما ناموا يوماً أو بَعضَ يوم، ولكنْ سُرعان ما نسوا المُدّة وطلبوا من أحدهم الذّهاب خِلسةً إلى المدينة وإحضار أزكى طعامٍ فيها، فجمعوا مالهم وطلبوا منه أن يتوخّى الحذر كي لا يمسكه الإمبراطور الظّالم أو أيّ أحدٍ من أعوانه؛ فيجبرهم على العودة إلى دين الكفر، أو أنْ يرجمهم حتّى الموت.
ذهب أحدهم إلى المدينة ورأى فيها من التّغييرات ما رأى، فقد تغيّرت الوجوه والأماكن وأسلم أهل القرية طوال فترة مَبيتهم، وأحسّ أهل المدينة بالشّخص الغريب الّذي دخل عليهم من لباسه، ومن دهشة وجهه، ومن النّقود الّتي كان يحملها، وعرفوا على الفور من يكون، وفرحوا به كثيراً؛ فقد كان من بين أوائل المسلمين في تلك المدينة، وهذا دليلٌ واقعيٌّ على قدرة الله تعالى على الإحياء، وبعد أن ثبتت معجزة إحياء الموتى قبض الله روح هؤلاء الفتية.
الدّروس المستفادة من قصّة أصحاب الكهف
ترشدنا هذه القصّة إلى العديد من الأمور، منها:
- أنّ من استعان بالله وترك قومه في سبيل دينه وحفاظاً على نفسه من الفتن آواه الله وكان معه، وقد كان هؤلاء الفتية خير مثالٍ على ذلك، فتركوا أهلهم، وأموالهم، وبيوتهم من دون خوفٍ وبتوكّلٍ على الله، فساعدهم الله وأمّن لهم خير مكان.
- الحثّ على ترك مواقع الفتنة، والكتمان حفاظاً على نفس المسلم؛ حيث حرص هؤلاء الفتية على الابتعاد عن قومهم الظّالمين وإمبراطورهم الطّاغية.