بر الوالدين
يسعى الإنسان المسلم إلى ابتغاء مرضاة الله بشتى الطرق ووسائل والوسائل، وقد وجه الله المسلمين إلى وسائل وأساليب توصلهم إلى مرضاته، ومن هذه الوسائل بر الوالدين، وقد قرن سبحانه وتعالى توحيده ورضاه برضا الوالدين، فقال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"، وفي هذا عِظَمُ أمر وشأن بر الوالدين، وهو من أعظم البر والإحسان في الإسلام، وأمرٌ من الله.
وفي تكملة الآية القرآنية يقول جل جلاله: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً"، وهنا تفصيل لكلمة البر التي تجمع بين وجوب حب ورعاية والعناية بالوالدين، وعدم قول أفٍ لهما، وما أصغر هذه الكلمة وأكبرَ إثمها عند رب الوجود.
تعريفات بر الوالدين
يُعرّف بر الوالدين على أنه وصاية ربّ العالمين لكل مسلم، يقول تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه "، وواجب على الأبناء، وسر السعادة في الدنيا، ونيل الجنة في الآخرة، ولا يرزق هذا البر إلا من أتى الله بقلب سليم، فهو إشارة حب لله للفرد ورضاه عنه، وقد سُئل الحسن البصري: ما بر الوالدين؟ قال: "أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلا أن يكون معصية ".
أشكال وطريقة بر الوالدين
ولبر الوالدين أشكال منها:
- طاعتهما في كل صغيرة وكبيرة، إلا ما فيه معصية أو ما يؤدي إلى معصية، قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا".
- التلطف واللين وخفض الصوت في حضرتهما أوعند الحديث معهما.
- احترامهما والتذلل والتحبب إليهما.
- استشارتهما في أمور الحياة المختلفة.
- بذل المال لسد حاجتهما والإنفاق عليهما في كبرهما، وذلك جزء من رد الجميل.
- القيام بشكرهما، وذلك بالدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما.
فضل بر الوالدين
أما فضل بر الوالدين الذي نحن بصدده في موضوعنا فهو جليل، فهو كثير في بركته، وعظيم في أجره عند رب العباد ، ومن هذه الفضائل:
- دخول الجنة والقرب من الله، وقد جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟ قال: الصلاة في مواقيتها، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: بر الوالدين، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله"، ونرى أنه قدّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك دليل على الأجر العظيم الذي يعود على المسلم من بره لوالديه.
- نيل رضا الله، وقد قرن الله تعالى رضاه برضا الوالدين وبرهما، قال جل علاه في سورة البقرة: "وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا"، وكرر الوصاية في سورة النساء، فقال: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا"، وهذا التكرار يدل على أهمية وفائدة الأمر ونهاية البر وعظمه، الذي هو دخول الجنة في الآخرة.
- سَعةٌ في العمر والرزق والصحة والسعادة، فمن رضي والداه عنه: طال عمره، وكثر رزقه، وبوركت صحته، ودامت فرحته وسعادته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سرّه أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه؛ فليبر والديه وليصل رحمه".
- بر الوالدين أقصر الطرق ووسائل وأسهلها وأسلسها وأعظمها في التقرب إلى الله، وسبب في غفران الذنوب.
وفي خصوصية إكرام المرء ببر والديه، قال رسولنا الكريم -عليه السلام-: "إذا ماتت الأم نزل ملك من السماء يقول: يا ابن آدم؛ ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل لنفسك نكرمك"، فيا حنان يا منان أكرمنا وارزقنا بر والدينا في حياتهما وبعد مماتهما.