إنّ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقد ثبت هذا الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. » [رواه مسلم]. ما المقصود بالمؤمن القوي في هذا الحديث؟ هل هي القوة البدنية؟ أم أنها قوة من نوع آخر؟ وما هو سبب محبة الله للمؤمن القوي؟ هذا ما سنبينه في هذا المقال.
لقد بين العلماء الذين شرحوا هذا الحديث بأن المراد بالقوة: قوة الإيمان، وقوة الإرادة والعزيمة والصبر، فالمؤمن القوي في إيمانه، الذي لديه قوة في الإرادة والعزيمة، والذي لديه القدرة على تحمل المشاق والصعاب والصبر على الأذى، فإنه سيكون قويًا ونشيطًا في أداء العبادات من الفرائض والنوافل، وسيكون لديه قوة وإرادة في الإتيان بما أمر به الله، والابتعاد عما نهى عنه، وسيكون أقدر من المؤمن الضعيف على القيام بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كما أن المؤمن القوي في إيمانه سيكون أكثر إقدامًا وشجاعةً من المؤمن الضعيف في أداء فريضة الجهاد في سبيل الله. ولا شك ولا ريب بأن المؤمن الذي يتحلى بقوة الإيمان أنه خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وقد أضاف بعض العلماء أن القوة التي وردت في الحديث يراد بها أيضًا: القوة البدنية، ولكنهم قيدوها في حالة استعمال هذه القوة في طاعة الله، فالقوة البدنية إذا استعملها صاحبها في طاعة الله عز وجل، بحيث يستعين بها على القيام بواجباته الدينية، ويستعملها في نفع المسلمين وتحقيق مصالحهم، وفي الدفاع عنهم، في نصرة دين الله في ساحات الجهاد، فلا شك بأن صاحب هذه القوة محبوب إلى الله تعالى.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بعد أن بين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف: « وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ » والمقصود هنا أن كلًّا من المؤمن القوي، والمؤمن الضعيف فيهما خير، ولكن الخير في المؤمن القوي أفضل، والغرض من هذا القول هو الحيلولة دون الفهم الخاطئ للكلام السابق، فبعض الناس قد يفهمون من الحديث أن المؤمن الضعيف لا خير فيها أبدًا، وهذا الفهم خاطئ، إذ إن فيه خير، ولكن خيره لا يستوي مع الخير الذي عند المؤمن القوي.