الحديث النبوي الشريف هو كلّ ما وصل إلينا وأخبرنا بما صدر من الرسول الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم – من قول أو فعل معيّن قام به، أو إقراره لفعل أحد ممّن يحيطون به، وممن احتكّ بهم أو سمع عنهم، بالإضافة إلى صفاته الأخلاقيّة أو الخَلُقية أو سيرته العطرة والأحداث التي مرّ بها سواء كانت قبل بعثته الشريفة أم بعدها. لهذا فالحديث النبوي هو تراث الرّسول الأعظم كاملاً.
وقد بذل العلماء المسلمون الأوائل جهداً كبيراً في نقله وحفظه وتنقيته من أيّة شوائب قد تعلق به على مرّ الزمان، وهو جهد مشكور يشكرون عليه أيما شكر؛ حيث إنّهم استطاعوا أن يحفظوا لنا هذا التراث الجميل، وقد تحوّل جهدهم العظيم إلى خطّة يسير عليها علماء التاريخ وكلّ من لهم حاجة في النقل عن القدماء في أيّ علم كان، لما لمسوه من إتقان لا نظير له.
أهميّة الحديث
أهميّة الحديث النبوي الشريف في الإسلام أنّه يخبرنا بآراء الرسول تجاه القضايا التي كانت تحصل حوله ومعه، فهو يعلّمنا المنطق الّذي كان يتعامل به الرسول الأعظم، وهو نفس المنطق الذي يتوجب علينا أن نتعامل به، والّذي يعتمد على الانفتاح وعدم التزمّت ومراعاة المشروطيّتين الزمانية والمكانيّة إزاء القضايا التي تواجه الأمّة في كلّ الأزمنة والأمكنة، فقد ذهب البعض مذهباً غير محمودٍ في تعاطيهم مع سنّة الرسول الكريم والحديث النبويّ الشريف حيث إنّهم جمعوا كلّ ما ورد عن الرسول سواءً صحّ عنه أم لم يصح وأرادوا أن يسقطوه كتعرف ما هو على كلّ الأزمنة والأمكنة متناسين حجم التفاوت الحاصل بين ذلك الزمان والأزمنة اللاحقة، ومتجاهلين جوهر الحديث النبوي ولبّه، وهو طريقة تفكير الرّسول التي يتوجّب أن تكون هي الخطّة التي سنختلط بها، لا الأحكام التي كان يصدرها على قضايا متعلّقة بذاك الزمن.
من الجهة الأخرى هناك فئة من المفكّرين رفضوا السنة النبويّة بالإجمال، ورفضوا الحديث عنها، وهذا خطأ فادح وكبير؛ فالأحاديث النبويّة هي إرث عن خير البشر وأعظمهم على الإطلاق، ولهذا السبب فإنّ رفض السنّة كاملة لا يصبّ في الاتجاه الصحيح، فكما أنّ السنّة فيها الأحاديث الضعيفة الملفّقة المدسوسة والّتي شوّهت صورة الرسول الكريم وصورة الإسلام ولا زالت إلى يومنا هذا، وإنّ السنّة النبوية فيها أحاديث تدلّ على عظمة هذه الشخصية كأحاديث الأخلاق، وطريقة تعامله عليه السلام مع القضايا الثابتة عبر الزّمان والمكان وما إلى ذلك، فهذا إرثٌ كبير يجب أن يتمّ إبرازه وإيضاحه للناس وللعالمين حتّى يفهموا حقيقة هذا الدّين العظيم، وحقيقة هذه الشخصيّة التي لم يتواجد مثلها.
من هنا نرى أنّ طريقة التعامل مع السنة النبوية الشريفة يتوجّب أن تكون وسطيّةً لا حدية، فالإقبال الكبير على السنة النبوية وأخذ ما فيها مباشرةً دون التثبت عقليّاً وعلمياً أمر يضر كثيراً بالدّين، ويشوّه صورة الرسول، أمّا الرفض المطلق لها فهو يحرم الناس من خير كبير ومن معرفة طبيعة هذا الرّجل العظيم الذي أنار البشريّة بأسرها. أيضاً فإنّ تنقية الأحاديث مما علق بها يجب أن يظلّ مستمراً، فما قبله العلماء السابقون وأجازوه لأنّه يتماشى مع عقولهم وطريقة تفكيرهم وواقعهم وواقع الدولة العظمى الّتي كانوا يعيشون فيها مع أنّه قد يكون غير صحيح ولم يرد عن الرسول الأعظم لا يتوجّب على علماء اليوم أن يسلموا به وأن يقبلوه هم أيضاً؛ إذ يجب أن يبذلوا كلّ جهد في سبيل تنقية السنة من الشوائب، فمنطق التفكير يتقدّم يوماً بعد يوم ليقارب المنطق الذي كان يفكّر به الرسول، وهو بذلك يقارب روح الإسلام أكثر من العصور الوسطى بمرّاتٍ ومرّات.