السنّة النبويّة المطهّرة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وهي الشارحة والمفصّلة لأحكام القرآن، وهي المُبيّنة لأصول العبادات وشروطها، والإيمان بالسنّة واجب، فلا يكتمل إيمان المرء بإنكار سنّة النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم الصحيحة، لأنَّ القرآن أنزله الله وأنزل مثلهُ معه وهي السنّة النبويّة المطهّرة، والذين يكتفون فقط بالقرآن الكريم كمصدر للتشريع هم الذين يسمّون بالقرآنيين والقرآن منهم بريء وهوَ عليهم حُجّة.
والسنّة النبويّة هيَ ما وردنا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أحاديث مُطهّرة، حيث أنَّ الحديث النبويّ هو كُلّ ما وَرَد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو صفةٍ خَلقيّة أو خُلُقيّة، وقد يَسَّرَ الله لهذا الدّين رِجالاً قاموا بحفظ السُنّة وعِلم الحديث الشريف، حيث قاموا بتدوينه والقيام على حفظ مصادره من التبديل والتعيير وذلك نقلاً عن الرواة الثقات العُدول الذي يُشهد لهُم بالإيمان والصدق والأمانة، وقد أفرَد العُلماء لهؤلاء الرّجال باباً واسعاً من أبواب العلم يدرسون بِهِ سيرتهم وأحوالهم وطبائعهم فكان هذا الباب الواسع من العلم هو علم تراجم الرجال أو ما يُعرف بعلم الجرح والتعديل، حيث يَكون الجرح بذِكر المطاعن والمثالب في الرِجال الذين لا يُؤخذ بروايتهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم المجروحين من الرجال، وكذلك بذكر أهل الثقة والدقّة في النقل والتثبّت من صحّة الحديث وأمانة التواتر وهم الرجال العدول.
وبناءاً على ما سَبَق فإنَّ الحديث النبويّ الشريف قد وَصَلَ إلينا بالتواتر من خلال سلسلة من السند وهم الرواة وأمّا نصّ الحديث الذي يَكون الحكم عليه من خلال الرواة والسند فهو يُسمّى بالمتن، وهذا المتن هو جوهر الحديث الذي تكون عليه الأحكام والتشريعات.
وللحديث الشريف أنواع حسَب ما صنّفها العُلماء ليتمّ التمييز بين صحيحه وضعيفه وبين الموضوع والمكذوب وقد بلغت أصناف الحديث أكثر من الستّين حسب ما أوردها العلاّمة الحافظ ابن كثير في كتابه القيّم الباعث الحثيث وكذلك ابن الصلاح في مقدّمته، وغيرهم كالبغدادي وأئمة أهل الحديث، أمّا الحديث المرفوع الذي هوَ مِحور موضوعنا فهو لا يُعّدُّ نوعاً من أنواع الحديث بقدر تعرف ما هو وصف للحديث نفسه.
فالحديث المرفوع هو نفس أصل الحديث وهو ما وَرَد إلينا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، وقد رفعه الصحابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد يكون الحديث المرفوع حديثاً صحيحاً أو ضعيفاً أو أي نوع آخر من أنواع تقييم سند الحديث، وإنّما قد تمّ إطلاق صفة الحديث المرفوع عليه ليتميّز بأنَهُ قد رُفِعَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليتميّز عن الحديث المقطوع الذي وصلَ للتابعيّ وكانت نسبتهُ للتابعيّ أو الموقوف الذي كانَ للصحابيّ ولم يصل لرسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الحديث المرفوع هو حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كقول الصحابيّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، أو رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل كذا، أو كُنّا نفعل ذلك على زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبالتالي فإنّ هذا الحديث إذا صحّت نسبتهُ إلى رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم فإنّهُ يُؤخذ بهِ في التشريع وتنبني عليه الأحكام الفقهيّة.