تدوين الحديث
كان تدوين الأحاديث سبباً رئيسياً في وصولها إلى عصرنا الحالي كما قالها الرّسول صلى الله عليه وسلم بعد مرور ما يزيد عن ألفٍ وأربعمائة عامٍ من وفاته صلى الله عليه وسلم، فحتّى مع وجود العديد من الأحاديث المكذوبة عنه صلى الله عليه وسلم إلّا أنّ الأحاديث الصحيحة الواردة عنه ما زالت محفوظةً ومعروفةً لدى أهل العلم والحديث.
معرفة كيفيّة تدوين الحديث هو أمرٌ هامٌ جداً في علوم الحديث ولانتقاء الأحاديث الصحيحة التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم؛ فأولى العديد من الصحابة الكرام ومن بعدهم من التابعين والعلماء في العصور اللاحقة أهميةً كبيرةً في تدوين الحديث الشريف لمعرفتهم لأهمية وفائدة السنة النبوية الشريفة في بيان الأحكام وبأنّه المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.
التدوين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد يظنّ البعض أنّ تدوين الأحاديث كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بعددٍ من السنين، إلّا أنّ هذا فهمٌ خاطئٌ لديهم؛ فعلى الرّغم من كون المجتمع الذي عاش فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مجتمعاً أميّاً في غالبه إلّا أنّه كان هنالك من الصحابة من يدوّنون الحديث خلفه عليه الصلاة والسلام في الصحف وهي التي تمّ جمعها فيما بعد.
توجد بعض الصحف المتعارفة لدى أهل العلم والتي دوّنها الصحابة الكرام؛ كالصحيفة الصادقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، وصحيفة سعد بن عبادة، وبعض الكتب التي كتبها الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه في الأمصار، وكتبه التي بعثها إلى الملوك يدعوهم بها إلى الإسلام والعهود التي عقدها مع الكفار، وغيرها من بعض الصحف المتفرّقة.
بداية التدوين على صورته الحالية
بعد وفاته صلّى الله عليه وسلم أراد عمر بن الخطاب أن يُدوّن السنن ويجمعها، إلّا أنه خاف أن ينشغل الناس بالسّنن، ويتركوا القرآن الكريم والذي هو الكتاب الرئيسيّ في الدين الإسلامي، فلذلك أمرَ الناس أن ينشغلوا بدراسة القرآن الكريم، ويقلّلوا من دراستهم للأحاديث الشريفة إلّا ما كان منها مهماً في تفسير القرآن الكريم أو بيان الأحكام، ولمّا كان عهد عمر بن عبد العزيز بعد مائة سنة على الهجرة خافَ على السنة النبوية من الضياع بموت العلماء فأمر بكتابته وتدوينه وجمعه، فكانت هذه هي بداية التدوين كما عرفناه في عصرنا الحالي.
كان أوّل من صنّف الحديث بأمرٍ من عمر بن عبد العزيز هو محمد بن شهاب الزهري، ومن ثمّ تتابع العلماء في تدوين الحديث كلٌّ بطريقته، ولهذا ظهرت العديد من الكتب التي دوّن فيها الحديث الشريف والتي يُعتبر صحيح البخاري ومسلم على رأسها، ومن ثمّ كتب السنن الأربعة للسنائي وأبي داود وابن ماجه والترمذي.