التهجد وقيام الليل
يطلق مفهوما التهجد وقيام الليل على التطوع في العبادات بالصلاة وغيرها، والتي تبدأ من بعد صلاة العشاء وتنتهي قبل صلاة الفجر، وكل تهجد هنا قيام ولكن ليس كل قيام تهجدا؛ حيث يطلق التهجد على صلاة الليل من بعد النوم، بينما القيام يشمل التقرب إلى الله تعالى بأي شكل من الأشكال، سواء كان بقراءة القرآن، أو الذكر أو التسبيح، أو الصلاة وغير ذلك، وكلاهما له عظيم الأثر في تزكية المسلم، وتعهد قلبه بالتقوى والصلاح.
أهمية وفائدة التهجد وقيام الليل
تكمن أهمية وفائدة التهجد أو القيام في الليل في قوة حضور العقل والقلب معا، حيث الهدوء والسكينة، والحب الخالص لله سبحانه، وكذلك فيهما تربية للنفس وتدريب وترويض، وانتصار على الهوى، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وذلك وفق سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فالهوى أو الميل يمكن التحكم فيه بشكل سليم، وإمكانية الإخلاص في التهجد والقيام تبقى قوية، حيث يخلو العبد بخالقه، يناجيه ويستغفره ويذكره، فمع لذة الإخبات، وتلاوة آي القرآن، ومع السجود يكلم المسلم ربه بكل دعاء، ووصف -سبحانه- ناشئة الليل بالدعاء والقيام، بأنه أشد تأثيرا وتربية لصاحبه، واحسن وأفضل قيلولة في النهار، حيث قال سبحانه: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا).
وفي الليل يتنزل الله -سبحانه- في الثلث الأخير منه نزولا يليق بجلاله، حاثا عباده على الدعاء والتسبيح والاستغفار، مرغبا في طاعته، حيث عبر عن ذلك -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له)، فهذه الساعة المتضمنة لهذا التنزل من رب العالمين فيها أجر عظيم، يتمثل في استجابة الدعاء، وبما أن وقت هذا التنزل لا يمكن تحديده بدقة؛ يفضل إحياء ثلث الليل الآخر إلى ما قبل صلاة الفجر، ففي ذلك أجر عظيم، وتزكية للقلب، وسياحة للفكر والعقل في ملكوت الله -عز وجل-، وخير تعهد للنفس بالقيام هو التدرج معها فيه، والقاعدة في العبادة أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وتشمل هذه القاعدة عبادات التطوع كقراءة القرآن، والقيام؛ فالاستمرار به ولو لركعات قليلة، خير من توقفه بعد طول سهر.
إن التهجد وقيام الليل هو دأب الصالحين، ونهج الدعاة المخلصين، وهو الذي ينير لصاحبه ظلمة السلوك، كما وفيه خير تعهد للقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وحفظا وتثبيتا، فكلها عناوين لطيب العلاقة مع كتاب الله عز وجل، كما وفيه قوة وصلابة للبدن أيضا، وسكينة وصلاح يعمران البيت الذي يحيى أهله بالقيام، ملأ الله قلوبنا بمحبة قيام الليل، ورزقنا حلاوة مناجاته، وحلقت على بيوتنا سحائب الذكر والدعاء والتسبيح والاستغفار.