المتنبي واحد من احسن وأفضل الشعراء ليس على مستوى العرب فقط بل على مستوى العالم أيضا، له عدد من القصائد الخالدة التي تتميز بأسلوبها الأدبي الرفيع إضافة إلى بلاغتها وحكمنتها وعمق معناه، فالمتنبي فيلسوف حكيم قبل أن يكون شاعرا كما انه حاد الذكاء مثابر مجتهد وطموح، وهذا هو سر تألقه وسر سطوع اسمه في العالمين.
اسمه أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي، ولد في كوفة العراق، عاصر سيف الدولة الحمداني وكان شديد التقرب منه . كان المتنبي شديد الإلمام بقواعد اللغة العربية وأصولها ومفرداتها، ومن هنا حظي شعره بالتميز بين سائر الأشعار، فالمكانة التي قد وصل إليها أبو الطيب المتنبي لم يصل إليها أحد غيره من الشعراء، فشعره خالد إلى يومنا هذا وهو محط الانظار ومصدر الإعجاب إلى يومنا هذا. تدور معظم قصائد الشاعر المتنبي حول مدح الملوك، ولقد تميز المتنبي بأنانيته الواضحة من شعره. تنوعت الأقوال في سبب تسميته بالمتنبي فقيل أنه ادعى النبوة وقيل انه سمي بذلك بسبب أبيات شعرية له، وقيل أنه سمي بذلك بسبب تنبؤه بالشعر.
شهدت الفترة التي نشا فيها الشاعر المتنبي تفكك دولة بني العباس، إضافة غلى تبعثر الدويلات الإسلامية، فهذه الفترة كانت قد شهدت تراجع دور وهيبة ومكانة الخلافة في الدولة العباسية، بشكل متزامن مع ظهور الدويلات المتصارعة المتناحرة فيما بينها، كما ان الدولة في هذه الأثناء كانت تتعرض لغزوات رومانية بين الفينة والأخرى على ثغور الأراضي الإسلامية والعربية. ومن هنا فقد كان لكل أمير من الأمراء مجلس أدبي يجتمع فيه المثقفون والشعراء حيث يسخرهم هذا الأمير لمدحه والثناء عليه ليذيع صيته في الآفاق، وكان الشعراء يتنقلون بين الأمراء لمدحهم ونيل المكاسب منهم، ففي ظل هذه الظروف نشأ المتنبي وأدرك طريقة الحياة آنذاك واستغل موهبته الشعرية وذكاءه إضافة إلى شغف القراءة والمعرفة والتبحر في العلوم لديه. تقرب المتنبي من سيف الدولة الحمداني فكان مقابل قصائد المديح يتلقى الأعطيات الكثيرة والمتنوعة من سيف الدولة، كما حارب المتنبي إلى جانب الحمداني في عدد من المعارك ضد الروم. كان المتنبي صاحب كبرياء عظيم، وعزة وأنفة حتى وهو يمدح الأمراء فما كان للمتنبي لم يكن لغيره من الشعراء فإذا مدح الشعراء الأمير واقفين مدحه هو وهو قاد، وإذا أفرد الشعراء كل حرف في القصيدة لمدح الأمير، أفرد هو جل القصيدة لمدح نفسه، ومن هنا استغل حاشية الحمداني هذه الأمور في المتنبي وعملوا على زيادة الفجوة بين الأمير والشاعر، فقد تصور كل واحد منهما أن هناك فجوة بينه وبين الآخر مما دفع بالمتنبي إلى الرحيل مع انه غير كاره له، والدليل أن المودة والإحترام بينهما استمرا حتى بعد رحيله فالرسائل بينهما لم تنقطع.
عندها انتقل المتنبي إلى مصر فكان تارة يمدح أميرها كافورا الإخشيدي وتارة يهجوه، وكان مقلا في الهجاء، وقصائده الهجائية خالدة لما تحويه من الحكم، وتوفي المتنبي مقتولا على يد خال ضبة بن يزيد العيني، بعدما هجاه بأبيات شعريه.