من المعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم قد ترك إرثا كبيرا من الأحكام و الأقوال و التشريعات التي كانت و مازالت منارة للأمة ، و خير دليل لها في حياتها و معاملاتها ، فالحديث الشريف هو كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ، و قد بين النبي الكريم أنه قد أوتي القرآن و مثله معه ، فكانت السنة هي إحدى مصادر التشريع الرئيسية في ديننا ، و قد عني عدد من العلماء بجمع الحديث الشريف عناية كبيرة ، فانتقل الحديث الشريف من مرحلة الحفظ في الصدور إلى مرحلة الكتابة و التدوين في الكتب و الصحف ، و كان أول من تصدى لهذه المهمة من العلماء الإمام محمد بن اسماعيل البخاري الذي عمل جاهدا لجمع الحديث عن طريق سماعه و تدوينه ممن حفظوه عن رسول الله عليه الصلاة و السلام ، و قد جمع الإمام البخاري ما يقارب 7397 حديثا ، متبعا أسلوبا علميا دقيقا في جمع الحديث الشريف ، و قد كان من شدة تحريه للحديث يقوم بالاغتسال و التوضؤ و يصلى صلاة الاستخارة قبل أن يضع الحديث في كتابه ، لذلك اعتبر كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه و تعالى .
و قد عرف العلماء الحديث الصحيح بالحديث الذي رواه العدل الضابط من أول السند إلى منتهاه ، من غير شذوذ و لا علة ، فكل حديث رواه رجل عدل تتوفر صفات العدالة و هي الإسلام و البلوغ و العقل و السلامة من خوارم المروءة و الفسق ، و كذلك صفات الضبط و هو الحفظ ، من غير أن يكون هناك شذوذ كمخالفة رواية الثقة لرواية من هو أوثق منه ، و من غير أن يكون في الحديث علة و هي أي علة خفية كأن يكون الحديث موقوفا أو مرفوعا .
فأحاديث الصحاح هي ستة أحاديث أولها صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ، ثم سنن النسائي و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، و قد سميت تلك الكتب بكتب الصحاح لاشتمالها على الأحاديث الصحيحة التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكانت أصح الكتب في حجية الاعتماد عليها كمصادر للتشريع .
