وهو ابن سيرين هو أبوبكر محمد بن سيرين البصري. التابعي الكبير والإمام القدير في التفسير، والحديث، والفقه، وتعبير الرؤيا، والمقدم في الزهد والورع وبر الوالدين، توفي 110 هـبعد الحسن البصري بمائة يوم، وكان عمره نيفا وثمانين سنة.
سمع أبا هريرة وابن عباس وكثيرا من الصحابة وكان محدثا فقيها إماما غزير العلم، علامة في تفسير الأحلام، رأسا في الورع ذا دعابة، لا يرى الرواية بالمعنى. استكتبه أنس بن مالكبفارس. وروى له أصحاب الكتب الستة وغيرهم وكان عالما بالحساب، والفرائض، والقضاء، ذا وفرة، يفرق شعره ويخضب بالحناء، يصوم يوما ويفطر يوما. اشتهر ابن سيرين بالورع وكان عالما بارعا بتأويل الرؤى.
رؤيا العبد نفسه بين يدي ربه عز وجل
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هارون بعكا قال حدثنا أبو يعقوب أسحق بن إبراهيم الأوزاعي قال أخبرني عبد الرحمن بن واصل أبو زرعة الحاضري قال حدثنا أبو عبد الله التستري قال: رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت وقمت من قبري فأتيت بدابة فركبتها ثم عرج بي إلى السماء فإذا فيها جنة وأردت أن أنزل فقيل لي ليس هذا مكانك فعرج بي إلى سماء في كل سماء منها جنة حتى صرت إلى أعلى عليين فنزلت ثم أردت أن أقعد فقيل لي: تقعد قبل أن ترى ربك عز وجل قلت: لا فقمت فساروا بي فإذا بالله تبارك وتعالى أمامه آدم عليه السلام، فلما رآني آدم أجلسني يمينه جلسة المستغيث قلت يا رب أفلجت على الشيخ بعفوك فسمعت الله تعالى يقول: قم يا آدم قد عفونا عنك.
أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الزبيري قال حدثنا محمد بن المسيب قال حدثنا عبد الله بن حنيف قال: حدثني إبن أخت بشر بن الحرث قال: جاء رجل إلي، فقال: أنت بشر بن الحرث قلت: نعم قال: رأيت الرب عز وجل في المنام وهو يقول: ائت بشرا فقل له لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكري لما قد بينت اسمك في الناس.
أخبرنا أحمد بن أبي عمران الصوفي بمكة حرسها الله تعالى قال أخبرني أبو بكر الطرسوسي قال: عثمان الأحول تلميذ الخراز بات عندي أبو سعيد، فلما مضى ثلث الليل صاح بي يا عثمان قم أسرج فقمت فأسرجت، فقال لي: ويحك رأيت الساعة كأني في الآخرة والقيامة قد قامت فنوديت فأوقفت بين يدي ربي وأنا أرعد لم يبق على شعرة إلا قد ماتت، فقال: أنت الذي تشير إلي في السماع إلى سلمى وبثينة لولا أعلم أنك صادق في ذلك لعذبتك عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين.
رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه: من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى والله تعالى ينظر إليه، فإن كان الرائي من الصالحين فرؤياه رؤيا رحمة، وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر لقوله تعالى " يوم يقوم الناس لرب العالمين ".
وإن رأى كأنه يناجيه أكرم بالقرب وحبب إلى الناس قال الله تعالى "وقربناه نجيا ".
وكذلك لو رأى أنه ساجد بين يدي الله تعالى لقوله تعالى "واسجد واقترب ".
وإن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يده وقوي سلطانه.
وإن رأى أنه يكلمه من غير حجاب، فإنه يكون خطأ في دينه لقوله تعالى "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ".
فإن رآه بقلبه عظيما كأنه سبحانه قربه وأكرمه وغفر له أو حاسبه أو بشره ولم يعاين صفة لقي الله تعالى في القيامة كذلك.
فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة والرحمة كان الوعد صحيحا لا شك فيه لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد ولكنه يصيبه بلاء في نفسه ومعيشته مادام حيا.
وإن رآه تعالى كأنه يعظه انتهى عما لا يرضاه الله تعالى لقوله تعالى "يعظكم لعلكم تذكرون ". فإن كساه ثوبا فهو هم وسقم ما عاش ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير، فقد حكي أن بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين فلبسهما مكانه فسأل ابن سيرين، فقال: استعد لبلائه فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى.
وإن رأى نورا تحير فيه فلم يقدر على وصفه لم ينتفع بيديه ما عاش.
وإن رأى أن الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر، علا أمره وغلب أعداءه، فإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فهو بل يستحق به رحمته.
وإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه.
وإن رأى كأن أبويه ساخطان عليه دل ذلك على سخط الله عليه، لقوله عز إسمه " اشكر لي ولوالديك ". وقد روي في بعض الأخبار رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخط الله تعالى في سخط الوالدين، وقيل من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنه يسقط من مكان رفيع، لقول الله تعالى "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ".
وإن رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل دل ذلك على غضب الله تعالى عليه.
وإن رأى نفسه بين يدي الله عز وجل في موضع يعرفه انبسط العدل والخصب في تلك البقعة وهلك ظالموها ونصر مظلوموها.
وإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى نال نعمة ورحمة.
وإن رأى مثالا أو صورة فقيل له إنه إلهك أو ظن أنه إلهه سبحانه فعبده وسجد له، فإنه منهمك في الباطل على تقدير أنه حق وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى.
وإن رأى كأنه يسب الله تعالى، فإنه كافر لنعمة ربه عز وجل غير راض بقضائه.