تعريف ومعنى الاستغفار
فالاستغفار معناه طلب المغفرة من الله عن كل تقصير في حق عبادته (سبحانه وتعالى)، ولهذا يستغفر المُطيع والمُذنب، والإنس والجن، وحتى الأنبياء والملائكة على حد سواء، فكل الخَلق مقصرون.
فالملائكة الذين يطيعون الله ولا يعصونه طرفة عين سيشعرون يوم القيامة بالتقصير، فيخبرنا رسول الله (صلى الله علىه وعلى آله وسلّم) بقوله: “يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله (تعالى): “لمن شئت من خلقي”، فتقول الملائكة: “سبحانك ما عبدناك حق عبادتك”، ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: “من تجيز على هذا؟”، فيقول من شئت من خلقي، فيقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك”. السلسلة الصحيحة للألباني.
وحتى الأنبياء وعلى رأسهم محمد (صلى الله علىه وسلم) يستغفرون الله كثيرًا، فيقول ابن عمر (رضى الله عنهما): قال رسول الله (صلى الله علىه وسلم): “يا أيها الناس توبوا الى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة”. رواه مسلم.
تعرف ما هو دعاء سيد الاستغفار؟
يعد دعاء سيد الاستغفار من الاستغفار المستحب وله صيغ كثيرة لكن هذه الصيغة الشاملة لكل خير عدها رسول الله (صلى الله علىه وسلم) احسن وأفضل صيغة للاستغفار وسماها سيدًا للاستغفار، فروى البخاري عن شَدَّاد بن أَوْسٍ (رضى الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله علىه وسلم) أنه قال: “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ “.
هذا هو سيد الاستغفار وينبغي على كل مسلم أن يحفظه ويردده دومًا، وينبغي أيضًا أن يعلمه كل أب لأبنائه، فهذا حديث عظيم القدر وله الجزاء الكبير.
متى يقال دعاء سيد الاستغفار؟
يقال دعاء سيد الاستغفار ايضا أوصانا رسول الله (صلى الله علىه وسلم) كل يوم وليلة مرتين، مرة في النهار ومرة في الليل ولا يشترط له وقت محدد، فأي ساعة من النهار، وأي ساعة من الليل تصلح لهذا الذِكر العظيم: “مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ”، ولهذا يمكن أن تقال في أذكار الصباح والمساء.
فضل دعاء سيد الاستغفار
إن دعاء سيد الاستغفار له ميزة عظيمة للغايةً، إذ أنه يحمل من المعاني اجمل وافضلها واحسن وأفضل ها. مثلما أن هذا الدعاء العظيم يشتمل في طياته على هذا الكم الهائل من مُفردات المدح لله (سبحانه وتعالى)، والإقرار بالصفات العظيمة جدًا التي يتسم بها الله (سبحانه وتعالى).
ايضا أنه يحمل من معاني التأدب مع الله (سبحانه وتعالى) الكثير، إذ فيه الاعتراف بربوبيته ووحدانيته المطلقة، مثلما يحمل معنى افتقار العبد لربه خالقه ومولاه وأنه لا قيمة للعبد إلا بتحقيقه العبودية لله (سبحانه) وفيه دوام حاجة العبد لربه وعدم استغنائه عنه طرفة عين ويحمل معنى التماس العون من الله (سبحانه) فالعبد يقر بأنه لا يقدر على شيء دون معونة خالقه العظيم وإن حاجته له دائمة.
إن هذا القدر من المعاني العظيمة لم يتوافر في دعاء آخر من أدعية الاستغفار ولهذا سمي بسيد الاستغفار، إذ أن كل معنى منهم يحتاج من العبد لوقفة عظيمة مع النفس، ولهذا أكد رسول الله (صلى الله علىه وسلم) على اليقين بكل ما فيه لأن كل ما في هذا الدعاء يعبر عن حقيقة إسلام العبد لله وخضوعه المطلق لمشيئته (سبحانه).
دعاء سيد الاستغفار مكتوب
حديث سيد الاستغفار حديث جامع من جوامع كلمه (صلى الله علىه وسلم) وينبغي على المسلمين حفظه وترديده، ويمكن كتابته في كتب أبنائنا ليكرروه صباحًا ومساء، ويمكن كتابته على اللوحات في المدارس والمصالح الحكومية وغيرها، وهو سهل الحفظ عميق المعنى، وليس له إلا صيغة واحدة.
يقول الصحابي الجليل شَدَّاد بن أَوْسٍ (رضى الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله علىه وسلم) أنه قال: “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”. رواه البخاري.
وتوقف العلماء كثيرًا حول سبب تسمية هذه الدعاء بسيد الاستغفار، وتأملوا طويلًا في سبب استحقاقه لهذا الفضل، فقال بعضهم لأنه أظهر السلوك الواجب على المسلم في الدعاء بأن يقر ويعترف الإنسان بضعفه وقوة ربه وبفقره وغنى ربه، وبحاجته لربه واستغناء الله عنا كلًا، فاقتران الدعاء بالاستكانة والتخلي عن صفات الاستعلاء والغرور من العبد أقرب للاستجابة، وفيه يقدم العبد توبته بين يدي طلبه المغفرة من ربه، وفيه يقر أنه يستعيذ بربه من شر ما فعل ويضيف الى الله (سبحانه) معاني العزة ويضيف لنفسه معاني الافتقار والتذلل، وهذا هو أبلغ الدعاء وأحسنه ولذا سمي بسيد الاستغفار.
صيغ لدعاء سيد الاستغفار
للاستغفار صور وصيغ كثيرة منها ما جاء في القرآن الكريم على لسان الأنبياء والصالحين، ومنها ما جاء في السنة الشريفة يوصينا الرسول (صلى الله علىه وسلم) بها.
ومن أمثلة ما ورد في القرآن الكريم قوله (تعالى): “ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ? [آل عمران: 147]، وقوله أيضًا على لسان نوح (علىه السلام): رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا? [نوح: 28]، ومنها ما جاء عن إبراهيم (علىه السلام): ?رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ?، إبراهيم (41)
أما ما ورد في السُنة الشريفة فهو كثير ومنها: عن أبي موسى الأشعري عن النبي (صلى الله علىه وسلم) أنه كان يدعو بهذا الدعاء “رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل هذا عندي، اللهم اغفر لي ما عرضت وما أخرت وما أسررت وما نشرت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير”. رواه البخاري ومسلم.
أما حديث سيد الاستغفار فلم ترد صيغة أخرى له على سبيل الحصر إلا الصيغة التي أوردها البخاري (رحمه الله): “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)”.
فهذه هي الصيغة المعتمدة لحديث سيد الاستغفار، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين لنعمه الراضين بقضائه وأمره والمستغفرين دومًا بالليل والنهار، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد.
الأوقات المستحبة للاستغفار
والاستغفار مُستحب في كل أوقات اليوم والليلة لكنه في أوقات يكون فيها آكد وأكثر رجاء في تحقيق المغفرة، ومنها:
– بعد وقوع الذنب مباشرة، لنفعل ايضا فعل أبو البشرية آدم (علىه السلام) إذ استغفر بعد الذنب مباشرة “قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، الأعراف: 23، ولقول الله (عز وجل): “إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَ?ئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ? وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” النساء 17، ومعنى “يتوبون من قريب، ايضا قال المفسرون أنهم تابوا عقب الذنب من قريب، وكل ما في الدنيا قريب فالمهم هو توبتهم قبل أن يأتيهم ملك الموت فعلى المُسلم أن يبادر الى التوبة بسرعة قبل أن يدهمه الموت.
وكهذا روى أبو ذَرٍّ ومُعاذِ بْنِ جبلٍ (رضى الله عنهما)، عنْ رسولِ اللَّهِ (صلى الله علىه وسلم) قَالَ: “اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ” رواهُ التِّرْمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، ومعنى “أتبع” أي اجتهد أن تستغفر بعد الذنب مباشرة، ولا تسوف ولا تؤجل توبتك واستغفارك، فلعلك لا تملك الوقت الكافي.
بعد العبادات المفروضة إذ أن المؤمنين الصادقين لا يرون أنهم قد أدوا عباداتهم على الوجه الأكمل، فيستغفرون الله ليقبلها منهم، فبعد الوضوء دعاء أن يجعل الله المتوضئين من التوابين ومن المتطهرين، وبعد الصلاة استغفار، وختم الله آية الحج بأمر الله للمؤمن الحاج بالاستغفار، فقال (تعالى): “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”. البقرة 199.
وهكذا في دعاء بعد الخروج من الخلاء وفي استفتاح الصلاة استغفار، وفي الأدعية التي وردت في الركوع والسجود وبين السجدتين كلها وردت فيها صيغ استغفار.
وأيضًا عند رؤية الخسوف والكسوف فعند هاتين الظاهرتين العظيمتين ينبغي للمُسلم أن يستغفر، فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري (رضى الله عنه) قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ (صلى الله علىه وسلم) فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: “هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ”، رواه البخاري ومسلم.