ناقة الله
حدثت قصة ناقة الله في زمن بعيد قبل ظهور الإسلام حيث أرسل الله عزّ وجلَّ النبي صالح إلى قوم ثمود، وكان قوم ثمود عبارة عن قبيلة عربية، وكانت هذه القبيلة تعيش بين الحجاز وتبوك وفي مكان يسمى الحجر، كان قوم ثمود من عبدة الأصنام فكانوا يكفرون بنعم الله عزّ وجلّ، فكانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام التي كانوا يعتقدون أنهم يتقربون بها من الله، وذلك كما كان يعبد آبائهم.
النبي صالح
أرسل الله عزّ وجلّ النبي صالح عليه السلام ليهدي هذا القوم من الضلالة للنور، ويأمرهم بعبادة الله عزّ وجلّ، وكان صالح عليه السلام ينهاهم عن عبادة الأصنام، فكان عندما يجتمع بهم ينصحهم بترك الأصنام ويحثهم على عبادة الله وحده، فكان رد القوم الظالم كيف لك أن تطلب منا هذا الطلب ونحن نعبد ما كان آبائنا يعبدوه؟، فشككوا بصدق صالح واعترضوه وكانوا ضده، لكن رغم ذلك استمر صالح عليه السلام بحثهم على عبادة الله الواحد الأحد، عبادة الله رب الناس، الذي خلق الناس وهو الذي ينفعهم، ويرزقهم وجعل يعدد لهم نعم الله على عباده من جبال ينحتون منها ويصنعون بها البيوت، وسهول ليعمروا عليها ويبنوا القصور، وجنات وعيون يتمتعون بها، وجعل لهم الحدائق والبساتين كثيرة الزرع والثمار؛ وذلك كي يشكروا نعم الله عليهم، ويقدّروا هذه النعم ولا يكفروا بها أبداً، لقوله عزّ وجلّ (أتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) وكان يحثّهم على ترك الأصنام، لكنهم لم يسمعوا له واستكبروا
قوم ثمود
قال سبحانه وتعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَ?ذَا ? أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)، وكان يذّكرهم بعقوبة الله للأقوام التي كانت قبلهم وكفروا بعبادة الله، وجعل يذكرهم بما حدث لقوم هود الذين بعث لهم الله ريح صلصال عاتية، وذلك عقاباً لجرمهم لكن رغم ذلك كذبوا صالح عليه وسلم ومنهم من اتهمه بالجنون، ومنهم من اتهمه بالسحر، والشعوذة فاستكبر قوم صالح، وبعدها قاموا المستكبرين بالوشي للذين آمنوا بصالح وهم المستضعفين من القوم، وبعدها قاموا بالتفكير بطلب يطلبونه من صالح؛ كي يعجزونه ويسخرون منه فقالوا لصالح عليه السلام هل تريدنا أن ندخل بدينك؟ فقال لهم نعم، فقالوا سندخل بدينك إذا قمت بأداء الشرط الذي سنأتي لك به، وكان شرطهم أنهم طلبوا من صالح عليه السلام أن يأتي لهم بدليل على ما يزعم به أنه نبي من الله، فيثبت لهم ذلك الكلام بأنْ يأتي بآية من الله، وهي أن يخرج من بين الجبال التي يقومون بعمل البيوت منها، فهم يريدون منه أن يقوم بإخراج ناقة من الصخرة أي من الجبال، وبدأوا يعددون الصفات التي يحتاجون أن تتّصف بها الناقة فيريدون أن يكون عمرها كذا ولونها كذا، وشكلها كذا، وبالإضافة لذلك أن تكون هذه الناقة حامل فتعجب لطلبهم واستنكر ما طلبوه فقال لهم: وإن استطعت إخراج هذه الناقة من الصخرة هل ستؤمنون؟ فقالوا له نعم سنؤمن إذا استطعت فعل ذلك، فذهب صالح إلى ربه وبدأ يدعوا ربّه بأن يأتي له بالدليل الذي يجعل قومه يصدقون ما جاء به، وأنْ يُخرج الناقة من الصخرة فهو يعلم أنَّ الله عزّ وجلّ قادر على كل شيء.
أجاب الله لطلبه، فعندما اجتمع الناس وكانوا يظنون أنهم سيسخرون من صالح عليه السلام دُهشوا عندما رأوا الصخرة تتشقق فانبهر الجميع وبدأ أهل القوم ينظرون لبعضهم البعض باستغراب، حتى ذُهلوا عندما رأوا الناقة تخرج من بين الصخور فسبحانك يا رب قادر على كل شيء، وعندما رأى القوم الناقة التي كانت كما طلبوا من صالح عمرها، ولونها، وحامل كما طلبوا بالضبط، ذُهلوا فعندها قال لهم صالح عليه السلام هذه هي ناقة الله التي طلبتموها كدليل لقوله عزّ وجلّ: (وَيَا قَوْمِ هَ?ذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)/ وعندها آمن الكثير بصالح عليه السلام، وهناك من استكبروا فتمادوا في كفرهم، وظلمهم لأنفسهم، هذه هي ناقة الله عزّ وجلّ المعجزة التي نزلت على سيدنا صالح عليه السلام؛ لتكون حجةً ودليلاً على صدق نبوته؛ وليهدي قومه من الضلالة؛ ولتكون دليل أنَّ الله عزّ وجلّ قادر على كل شيء.
قتل الناقة
في كل معجزة من معجزات الأنبياء تكون معجزة النبي في التفوّق على الأعمال التي يقوم بها أصحاب القوم، فقوم صالح كانوا قد تكبروا؛ لقدرتهم الهائلة علي بناء القصور من خلال نحت فها هي قدرة خالق السموات جاءت، وبينت لهم عجزهم وأنَّ جميع ما يقومون بعمله هو من عند الله عزّ وجلّ، فلا يجوز لهم الاستكبار، ويجدر بهم الإيمان بالله ونبيه وعدم تكذيبه ولا إيذائه، فيجب أنْ نُؤمن بالله، ورسله، ولا نتكبر كما فعل قومُ صالح مع ناقة الله؛ حيث قام النبي صالح عليه السلام بعمل اختبار لقومه؛ كي يعرف هل سيصبر القوم على طاعة الله؟، حيث طلب منهم أن يقسموا الماء بينهم وبين الناقة، فأول يوم يشربوا، واليوم الثاني للناقة فقط، وفيه يستطيعون شرب اللبن من الناقة، وهكذا فتكون الماء يوم لهم ويوم للناقة، وطلب منهم أنْ يَحرصوا على هذه الناقة فهي ناقة الله، وكان هذا الاختبار؛ لمعرفة مدى تقديرهم لهذه الآية التي جاءت من عند الله سبحانه وتعالى، ولكنهم تكبروا ولم يعجبهم الأمر أن ناقة تبادلهم في مشربهم، فأخذوا يفكرون في طريقة لإيذاء الناقة والتخلص منها، فكان هناك رجل عندما دخل في الدين وصدق النبي صالح عليه السلام، ترك زوجته ففكرت بطريقة للانتقام من دين صالح، فقررت أن تستأجر أحداً لقتل الناقة، اجتمع تسعة من الرجال لقتل ناقة الله، ففي الصباح حيث كانت ناقة الله تجلس في مكان بعيد في الجبال، وكانت ترعى طفلها الذي ولدته قام أحدهم بطعنها بالرماح، فهمت الناقة بالهرب، وأرشدت طفلها أنْ يهرب لمكان بعيد فَهّمَ الرجال للحاق بها، وقاموا بسفك دمها.
قتلوا ناقة الله، وبعدها ذهبوا لقتل طفلها، فهجموا عليه بعد أن فرَّ بالهرب، وقاموا بهدر دمه، ذُعر الناس من هول الموقف ونادوا صالح عليه السلام، فلم يصدق ما سمع وعندما رأى الدم يسيل من ناقة الله جف ريقه، ولم يستطع الحركة وعندها بكى صالحٌ عليه السلام بسبب الظلم الذي اقترفه قومه بحق ناقة الله، لقد اعتدوا على آية الله عزّ وجلّ، فعصوا ما أمرهم به الله، وعندها قال له القوم ها نحن قتلنا الناقة، وعصونا ربك أين هو العقاب الذي وعدنا ربك به؟ فقال لهم صالح عليه السلام: ستأتي ثلاثة أيام ستعيشون فيها آخر أيامكم قبل هلاككم، وسوف تستيقظون في اليوم الأول فستصفّر وجوهكم، وفي اليوم الثالث ستسود وجوهكم، وبعدها ستهلكون جميكم.
جاء أول يوم فاصفّرت وجوههم فقرروا قتل صالح كما قتلوا ناقة الله، فاجتمع التسعة الذين قتلوا ناقة الله لقتله في الليل، فتقدموا لبيته لقتله، لكنَّ الله عزّ وجلّ أنزل عليهم من السماء صخور نزلت على رؤوسهم التسعة، فشقت رؤوسهم، فمات من كانوا يريدون السوء للنبي صالح عليه السلام، فاستيقظ الناس فرأوا جزاء الظالمين، وبعدها جاء عقاب القوم الذي وعدهم به الله، ولكنَّ العقاب لم يشمل صالح عليه السلام ومن اتبعه وصدقوا بما جاء به.