يقول الله سبحانه و تعالى في محكم التنزيل ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا، ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).
كلمة الظل معروفة منذ عرفت اللغة فمعناها المنطقة المحجوب عنها أشعة الشمس المباشرة، فهي المنطقة التي يصلها ضوء الشمس و لكن لا تصلها أشعة الشمس المباشرة، و مثال ذلك أن يجلس شخص في وضح النهار تحت شجرة عظيمة فتراه جالسا في ظل؛ يرى ما حوله لأنّه في نور واصل له من الشمس و لكن أشعة الشمس الحارقة لا تنال منه لأنّه مختبئ تحت الشجرة فهو واقع في ظلها أي في المساحة المحجوبة عن أشعة الشمس.
إنّ الآية الكريمة السابقة تصف أمراً عجيباً جداً، فالله سبحانه و تعالى في هذه الآية الكريمة يشير إلى أنّه خلق الظل قبل أن يخلق الشمس، فالظل نعمة من نعم الله عز و جل و دليل ذلك قوله تعالى عن المؤمنين في الجنة( هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون )، و الجنة كتعرف ما هو معلوم لن يكون فيها شمس تشرق فكيف هم في الظلال، الظل نعمة لم يكن ليعرفها الإنسان قط دون دليل عليها من نقيضها، فجعل سبحانه و تعالى الشمس دليلاً على تلك النعمة، لأنّه بضدها تستبين الأشياء فلولا وجود الشر لما عرف الخير.
إنّ وجود الإنسان في نور دون حر هو أرقى درجات النعيم، فلو أنّنا حرمنا الظل في الدنيا لمات الناس من شدة أشعة الشمس الحارقة، و لكن خلق الله للأشجار و تعليمه للإنسان بإتخاذ الخيام و البيوت التي تقيه حر الشمس هما نعمة الله على عبده، و في الجنة هناك نور دائم و ظل دائم مخلوق على تلك الهيئة فالظل موجود كنعيم و إن لم تكن هناك شمس، و إنّما خلق الله الشمس في الدنيا لتكون دليلاً على الظل ليعتبر كل معتبر، أمّا في الجنة فقد إعتبر من إعتبر، و الله تعالى على كل شيء قدير فهو قادر سبحانه و تعالى على إيجاد الظل دون وجود مصدر أشعة، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء.