بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد،
إن يوم عرفة هو من أعظم الأيام في السنة عند المسلمين، فهو من الأيام التي خُصَّتْ بالكثير من الفضائل والبركات. ويوم عرفة هو من أيام شهر ذي الحجة، حيث يوافق اليوم التاسع منه. ويؤدي حجاج بيت الله الحرام في هذا اليوم أحد أهم مناسك الحج، وهو الوقوف بعرفة، فيقفون فيه على جبل عرفات، حيث يعتبر وقوفهم هذا ركناً ركيناً من أركان الحج.
لقد عظم الله قدر هذا اليوم، فهو اليوم الذي اكتمل فيه الدين، وتمت فيه نعمة الله على هذه الأمة. ففي هذا اليوم أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم هذه الآية: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً } [المائدة: 3]، وقد أخرج الشيخان: البخاري ومسلم، في صحيحيهما أن اليهود جاءت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقالوا له: إنكم تقرؤون آيةً لو أنزلت فينا نحن معشر يهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، - وأشاروا للآية المذكورة سابقاً - فقال لهم عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأي يوم أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت، أنزلت بعرفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقفٌ بعرفة.
ويوم عرفة هو من الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة التي يستحب فيها الإكثار من الأعمال الصالحة، حيث تكون الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله وأعظم أجراً من غيرها من الأيام. ومن تلك الأعمال الصالحة: صيام هذا اليوم لغير الحاج.
إن صيام يوم عرفة هو من الصيام المستحب لغير الحاج، وأما الحاج فلا يستحب له أي يصوم هذا اليوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أفطر فيه عندما كان حاجاً؛ ولعل الحكمة من سُنَّة الإفطار في هذا اليوم للحاج، هي أن الحاج يحتاج في هذا اليوم إلى ما يتقوى به على العبادة، وأداء هذا الركن العظيم من أركان الحج.
وفي صيام هذا اليوم بالنسبة لغير الحاج أجر كبير، حيث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: « صيام يوم عرفة، أحْتَسِبُ على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده. » [رواه مسلم / 1162]. فصيام هذا اليوم هو من مكفرات الذنوب التي يجب على المسلم أن يستغلها، وألا يُفَرِّط بها.