من سور القرآن الكريم التي تشتمل على كثيرٍ من العبر والأحكام سورة النّور، فهي سورةٌ مدنيّة نزلت آياتها بعد هجرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام إلى المدينة، وقد سمّيت سورة النّور بهذا الإسم نسبةً إلى آية ( الله نور السّموات والأرض )، كما أنّها وباشتمالها على كثيرٍ من الآداب والأحكام التي تهمّ المسلم في حياته كانت كالنورٌ الذي يستضاء به، فقد بيّنت سورة النّور عاقبة الزّناة وهي الجلد، كما بيّنت حال من يرى زوجته أو ترى زوجها في حالة الزّنا بدون أن يكون هناك شهداء على هذه الفعلة النّكراء، وقد ذكرت فيها آيات البراءة للسّيدة عائشة في حادثة الإفك حين اتهمها المنافقون والمرجفون بما لا يليق بمكانتها ودينها، وقد اشتملت سورة النّور أيضًا على آدابٍ كثيرة منها آداب الاستئذان عند دخول البيوت، وكذلك استئذان من لم يبلغ الحلم أو ملك اليمين عندما يدخل على الزّوجين في البيت في مواعيد معيّنة قبل صلاة الفجر، وحين القيلولة، وبعد صلاة العشاء حيث ينوي الإنسان الخلود إلى النّوم، كما اشتملت سورة النّور على آداب غضّ البصر، وحفظ الفرج، وكذلك آيات العفّة والحجاب وكيف تستر المرأة المسلمة نفسها ولا تبدي زينتها إلا لمن عيّنه الله تعالى من المحارم والأقارب، وقد كانت سورة النّور باشتمالها على تلك الأحكام والآداب حقيقةً نورًا للمسلمين ومنهجًا واضحاً لا يزيغ عنه إلا هالك.
ولقد أنزلت آيات سورة النّور في أماكن مختلفة وأزمان مختلفة، فالآيات التي تحدّثت عن حادثة الإفك واتهام السّيدة عائشة كانت بعد رجوع النّبي عليه الصّلاة والسّلام من غزوة بني المصطلق أي في السّنة الرّابعة للهجرة وقبل غزوة الأحزاب، كما نرى آياتٌ أخرى نزلت في السّنة الثّانية أو الثّالثة للهجرة وهي الآية التي تنهى المؤمنين عن نكاح الزّانيات، حيث كان سبب نزول تلك الآيات أنّ نفراً من المهاجرين وبسبب الفقر همّوا أن يتزوّجوا نساءً بغايا لعدم قدرتهم على النّكاح من الحرائر العفيفات، ومن هؤلاء الصّحابة مرثد بن أبي مرثد وقصّته مع عناق، وقد كانت الآيات الكريمة حاسمةً في عدم جواز الزّواج من زانية، كما نزلت آياتٌ أخرى من سورة النّور بعد غزوة تبوك في السّنة التّاسعة للهجرة حيث بيّنت وجوب أن يأتي من يرمي زوجه بالزّنا بالشّهود الذين يشهدون على ذلك، ثمّ نزلت آيات اللّعان التي ترفع الحرج عن الذي رأى زوجه في حال الزّنا ولم يكن له شهداء إلا نفسه، وبالتّالي تكون تلك السّورة قد نزلت آياتها في أوقاتٍ مختلفة على الرّاجح من أقوال العلماء .
