بلا شكّ بأّنّ هناك من النّاس من يعيش في وطنه غريباً عنه، متخلّياً عن كلّ معاني المواطنة فيه، وإنّ هذا الشّعور يتولّد لدى البعض بسبب ظنّهم واعتقادهم أنّ الوطن هو مجرّد مزرعةٍ يأخذون منه ويتنعّمون بما فيه من خيراتٍ بدون أن يقدّموا مقابل ذلك الولاء والانتماء له، والحقيقة أنّ هذا الأمر يستدعي تغيير عقليّة الكثيرين من النّاس بحيث ينظرون إلى الوطن كأنّه أبٌ لهم يحتويهم ويقدّم لهم الرّعاية والحماية، وبالمقابل ينتظر هذا الأب منهم أن يحرصوا على ماله وأن يطيعوه فيما يأمر وأن يقفوا بجانبه في الملمّات والشّدائد، ولكي يتحقّق مفهوم وتعريف ومعنى المواطنة لدى النّاس يجب أن يدركوا أنّ ذلك يتطلّب منهم أن يكونوا بحجم المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم، وأن يبذلوا الجهد لأداء ما يطلب منهم بكلّ مشاعر الحبّ التي يحملونها اتجاه وطنهم، ولكي نقول بأنّ فلان يحقّق مفهوم وتعريف ومعنى المواطنة فعلاً، علينا أن نرى آثار ذلك في عمله واعتقاده، وإنّ هناك مؤشراتٍ أو علاماتٍ تبيّن مفهوم وتعريف ومعنى المواطنة نذكر منها :
- الولاء والانتماء للوطن، فبلا شكّ بأنّ الإنسان يكون ولاءه بعد الله تعالى ورسوله لأهله ووطنه الذي يعيش فيه، وهذا الولاء والانتماء يتجلّى عندما يطلب الوطن ممّن يعيش عليه أن يؤدّي واجباته اتجاه، فالمواطن الحقّ هو المواطن الذي تراه لا يتردّد عن خدمة وطنه بكلّ ما أوتي من قوّة، وهو كذلك لا يتكبّر عن خدمة مجتمعه ووطنه متذرّعاً بأعذار مختلفة، فالوطن بدون اجتماع من فيه وتوحّدهم كيدٍ واحدةٍ لا يستطيع مواجهة المخاطر التي تواجهه وتحاك ضده، كما أنّ الولاء والانتماء يقتضي من الإنسان أن لا يقوم بالتّعاون مع أحد ضدّ بلده، أو تسريب معلوماتٍ تضرّ بأمنه، فالمواطن الحقّ هو المواطن المخلص لبلده الذي لا يتردّد عن عمل كلّ ما ينفعه ويصلح حاله ويجعله منارةً بين الأمم.
- كما أنّ المواطن الحقّ هو من يحافظ على مرافق بلده، وحينما يرى إنساناً يعتدي عليها تراه يغضب لذلك، لأنّه في قرارة نفسه يرى وطنه الذي يعيش فيه وكأنّه بيته الكبير، لذلك تراه أيضاً يحافظ على نظافته فلا يرمي القاذورات في طرقه وأحيائه، كما يقوم بالاستفادة من مرافقه وخدماته بدون إسرافٍ أو تعطيلٍ لإيمانه بأنّ تلك الخدمات تستمر وتدوم بالاستعمال الرّاشد لها.
- وأخيراّ نقول بأنّ الوطن هو مسؤوليّتنا جميعاً، فعلى الإنسان أن يزرع محبّته في قلبه، كما أنّ المواطن الحقّ لا يمكن أن يقابل إحسان وطنه إليه بالإساءة وإنكار الجميل.
