يستعدّ المسلمون لشهر رمضان المبارك في كلّ سنةٍ ، فهو من أجلّ الشّهور عند الله وأعظمها والعمل الصّالح فيه حسناته مضاعفةٌ عن ما سواه ، فهو الشّهر الذي أنزل الله فيه القرآن هدىً ورحمةً للعالمين وفيه ليلة القدر وهي خيرٌ من ألف شهرٍ ، فشهر رمضان هو موسمٌ لكسب الحسنات والاستزادة منها بفعل الخيرات ، فالتّاجر حين يريد تصريف بضاعته فإنّه يختار لذلك مواسم وأياماً معيّنةً من السّنة ، فيضع العروض على بضاعته ويخفض أسعارها أملاً بزيادة المشترين الرّاغبين بها ، ولله المثل الأعلى فبضاعته هي أثمن البضائع وأغلاها وتجارتها رابحةٌ دائماً فمن يشتريها تضاعف له أضعافاً كثيرةً من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .
وقد كان المسلمون والسّلف الصّالح يستعدّ لشهر رمضان قبله بشهور ويدعو الله سبحانه أن يبلّغه هذا الشّهر الفضيل ، فقد صحّ عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ رمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر ، فالمسلم حريصٌ وهو يستقبل هذا الشّهر الفضيل أن يكون متحلّلاً من الذنوب والآثام وإن كان لأخيه عنده حقٌ أو مظلمةٌ ردّها إليه حتى يدخل رمضان وهو مستعدّ لصوم نهاره وإحياء ليله بقلبٍ نقيٍ تقيٍ .
و إنّ في شهر رمضان ليلةٌ مباركةٌ فضيلةٌ هي ليلة القدر يحرص المسلم أن يدركها حتى ينال رحمة الله تعالى ويتعرّض لنفحاته ، وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحرص عليها وكان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ نسائه .
و قد كان شهر رمضان شهر الفتوحات والبطولات ، فقد حدثت فيه معارك انتصر فيها المسلمون على عدوّهم ، فالمسلم يدرك أنّ شهر رمضان مليء بالرّحمات فهو يتعرّض لنفحات الله فيه علّها تدركه فيعتق من النّار ، فرمضان كما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوّله رحمةٌ وأوسطه مغفرةٌ وآخره عتقٌ من النّار ، وقد عبّر النّبيّ عن فضله بقوله رغم أنف امرئٍ أدرك رمضان ثمّ انسلخ ولم يغفر له ، فأبواب الرّحمة والتّوبة تكون مفتوحةٌ فيه لطالبها فيا فوز التائبين المستغفرين فيه .