ليلة القدر
ليلة القدر هي ليلة مباركة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، أنزل الله فيها القرآن، لها فضلٌ عظيمٌ على المسلمين، وسنتحدّث في مقالنا هذا عن هذه الليلة المباركة، ولكن لابدّ لنا قبل ذلك أن نتحدّث قليلاً عن شهر رمضان المبارك، والعشر الأواخر من هذا الشهر الكريم.
شهر رمضان
شهر رمضان هو شهر فُرض فيه الصيام على المسلمين، وله فضلٌ كبيرٌ، حيث أنّ فيه الأجور تضاعف، وفيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، وفيه تصفّد الشياطين، وفي هذا الشهر الكريم عتقاء من النيران، فمن صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليله إيماناً واحتساباً، غفر الله له ما تقدم من ذنوبه، وفي هذا الشهر المبارك نزل القرآن، وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر، كما أنّ لصيام رمضان فوائد صحيّة كثيرة للإنسان، وأيضاً فوائد اجتماعيّة، ففيه تكثر الزيارات، وتوصل الأرحام، ويصبح هنالك ألفة ومودّة بين المسلمين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفّدت الشياطين ومردة الجن، وغلّقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها بابٌ، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلةٍ".
فضل العشر الأواخر من رمضان
إنّ العشر الأواخر من رمضان لهنّ من أعظم واحسن وأفضل ليالي رمضان المبارك، فقد أقسم الله تبارك وتعالى بتلك الليالي فقال جل في علاه: "والفجر وليالٍ عشر"، وكما نعلم أنّ أول رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره (أي العشر الأواخر من رمضان) عتقٌ من النيران، وفيها يكثر الاعتكاف في المساجد.
فضل ليلة القدر
بعد أن تناولنا شيئاً من فضل رمضان وصيامه وقيامه، وفضل الليالي الأخيرة من رمضان، سنتحدّث عن هذه الليلة العظيمة، التي لا تقدر الكلمات وعبارات قدرها، ليلة القدر، وسنرى معاً فضل هذه الليلة وأهميّتها في الإسلام، وذلك كما يلي:
- ليلةٌ هي خير من ألف شهر، وذلك كما وصفها ربنا تبارك وتعالى، أي أنّ فضل هذه الليلة يفوق ألف شهر، أجر من قامها كمن قام ألف شهر.
- نزل فيها القرآن، أي أنّ الله تقدّست أسماؤه شرّف هذه الليلة المباركة بأن أنزل فيها القرآن الكريم.
- تتنزّل فيها الملائكة.
- ليلة سلام تامّ حتى طلوع الفجر، وللعلماء في معنى أنّها سلام أقوال عديدة لا يتّسع المقال لذكرها، ولكن على جميع الأقوال فذلك لفضل عظيم لهذه الليلة المباركة.
- أجر قيام ليلتها يعدل قيام رمضان كله، فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما سبق من ذنوبه.
- الدعاء فيها مستجاب، فالله تعالى لا يخيب من يرجوه، فكيف بمن يتضرّع إليه في ليلة خيرٌ من ألف شهر.
- يكتب الله فيها أمور القدَر لذلك العام، فيكتب الأرزاق، ويكتب الآجال...وغيره من أمور القدر.
متى ليلة القدر
لقد أجمع علماء المسلمين على أنّ ليلة القدر هي في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وتحديداً في ليالي الوتر، أي الليالي الفردية، (الواحد والعشرين، أو الثالث والعشرين، أو الخامس والعشرين، أو السابع والعشرين، أو التاسع والعشرين)، ولكن العلماء اختلفوا في تعيينها في ليلة محدّدة من تلك الليالي، فمنهم من قال بأنها في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، ومنهم من قال أنّها في الواحد والعشرين، ومنهم من قال أنّها في الثالث والعشرين...إلخ، ومن العلماء من قالوا بأنّها متنقّلة بين تلك الليالي الفردية.
فكيف ندرك ليلة القدر
حتى ندرك ليلة القدر علينا أولاً وقبل كلّ شيء أن نسأل الله تعالى وندعوه تضرّعاً بأن يجعلنا ممّن يدركون ليلة القدر، ثم علينا وبعد أن علمنا أنها في الليالي الفردية من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أن نجتهد في إحياء العشر الأواخر من رمضان، وبذلك نكون قد أدركناها، ولربّما يقول قائلٌ: أحيي الليالي الفرديّة فأدركها. نقول: صحيح أن ليلة القدر في الليالي الفردية من العشر الأواخر، لكن كثيراً ما يحدث وأن نخطئ في صيامنا، فتصبح الليالي الفردية زوجية، ولذلك نحتاط بإحياء العشر الأواخر كاملة.
علامات و دلائل ليلة القدر
هناك علامات و دلائل تصاحب ليلة القدر، وعلامات و دلائل تليها، ولكن قبل أن نتحدّث عن تلك العلامات، يجب أن ننوّه إلى أنّ تلك العلامات و دلائل قد لا يشعر بها الناس، ولذلك لابدّ لمن أراد أن يدرك تلك الليلة العظيمة أن يحيي الليالي العشر الأخيرة من رمضان، أمّا العلامات و دلائل التي تصاحب تلك الليلة فهي كالآتي:
- سكون الرياح، وانعدام العواصف والصواعق والرعد والبرق.
- السكينة والراحة الكبيرة التي يشعر بها المؤمن في تلك الليلة.
- شدة النور في ليلة القدر أوضح من غيرها من الليالي.
- تكثر فيها الرؤى، وذلك كرامة يؤتيها الله من يشاء من عباده.
- شروق شمس صباح اليوم التالي بلا شعاع، وذلك لما أخبرنا به الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، حيث قال: "أنّها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها".
كيفيّة إحياء ليلة القدر
إن العبادة في شهر رمضان المبارك، لهي أعظم أجراً من أي وقت آخر، والعبادة ليلة القدر تكون أعظم أجراً من سائر ليالي رمضان، وإحياء ليلة القدر يكون بالعبادة، وأهمّها صلاة القيام، وتلاوة القرآن، والدعاء والاستغفار... وغيرها من العبادات التي يمكن للإنسان أن يفعلها في تلك الليلة، فهي عبادات عظيمة أجرها عظيم، فكيف بها إن كانت في ليلة عظيمة كليلة القدر.
وقفة مع من يعبدون الله في رمضان فقط
عندما يدخل علينا أول أيام رمضان المبارك، نجد المساجد قد امتلأت بالمصلين، وما يلبث أن ينتهي رمضان، حتى تعود المساجد تئنّ من قلّة المصلّين، لماذا؟
جميل أن تضاعف العبادة في رمضان، فالأجر فيه يضاعف، ولكن ربّ رمضان هو ربّ سائر الأيام والشهور، فيجب أن نكون ربّانيين لا رمضانيين.
في الختام، لابدّ لكل مسلم أن يتحرّى تلك الليلة المباركة ويكثر من الطاعات فيها، فقد يدركها فيغفر بها الله له كل ذنوبه، وما أحوجنا إلى ذلك وجميعنا أصحاب ذنوب، وليس معنى ذلك أن نترك العبادات في الأوقات الأخرى، فإذا أدركناها تُغفر ذنوبنا، فليس منّا من يعلم متى سيقفل باب توبته، ويموت، فوالله الذي لا ربّ سواه إنّها لمن احسن وأفضل الفرص التي يجب علينا اغتنامها في حياتنا، فهي تجارة والله رابحة، أجورها مضاعفة، فلنجعل أعمالنا أيضاً مضاعفة، ونكثّف من عباداتنا في تلك الليلة العظيمة، الليلة التي هي خير من عبادة ألف شهر.
أسأل الله الكريم، رب السماوات والأرض، أن يبلّغنا رمضان، وبأوّله يرحمنا، وبأوسطه يغفر لنا، وبآخره يعتق رقابنا من النار، وأن يبلّغنا ليلة القدر، وبها يغفر ما تقدم من ذنوبنا، هو ربّنا، وبه رجاؤنا، والحمد لله رب العالمين، وصلّ ربنا على حبيبك المصطفى وبارك وسلّم.