ينضحُ عذوبة وبراعة قول، بلغة شعرية سهلة وسلسة تدخل القلوب دون استئذان, وتنم عن ذوق رفيع ومبسم مميّز
البهاء زهير شاعر من العصر الأيوبي:ولد في تهامة قرب مكة سنة 581 هـ، نزحت أسرته وهو صغير إلى مصر بمدينة قوص مجتمع بعض الأمراء والعلماء والفقهاء وتلقى تعليمه فيها وتنقل بين القاهرة وغيرها في مصر. ولما ظهر نبوغه وشاعريته التفت إليه الحكام بقوص فأسبغوا عليه النعماء وأسبغ عليهم القصائد. وطار ذكره في البلاد وإلى بني أيوب فخصوه بعينايتهم وخصهم بكثير من مدائحه. توثقت صلة بينه وبين الملك الصالح أيوب ويذكر أنه استصحبه معه في رحلاته إلى الشام وأرمينية وبلاد العرب. مات البهاء زهير في ذي القعدة 656 هـ.
عرف، البهاء زهير بنبل خلقه وحميد خصاله وعزة نفسه ووفائه لممدوحيه وأصدقائه. وقد خالف البهاء شعراء عصره في أساليبهم وألفاظهم وأوزان أشعارهم، فآثر البساطة وعدم التكلف و اختيار الألفاظ السهلة والأوزان الشعرية الخفيفة ، وكانت له عناية خاصة بموسيقى الألفاظ، ولم يترفع في بعض شعره عن استخدام الألفاظ الشائعة على ألسن العامة، وقد لقيت طريقته إعجاب كثير من أبناء عصره نظم البهاء في أكثر أغراض الشعر، ولاسيما المديح والغزل والحكمة، وكان ديوان شعره متداولاً في أيدي الناس في زمانه، للبهاء ديوان شعر طُبع بكمبردج سنة 1876م، وطبع بباريس سنة 1883م.
من روائع بهاء الدين زهير:ساكن القلب
إقـــرأ سلامي على منْ لا أُسميـــــهِ ... ومن بروحي من الأسواءِ افديهِ
ومنْ أُعـــــرِضُ عنهُ حــــينَ أذكُـــــرُه ... فإنْ ذكرتُ ســـواهُ كنتُ أعنيهِ
أشِــــرْ بِذكريَ في ضـمنِ الحديث لهُ ... أنَّ الإشارةَ في معنـــايَ تكفيهِ
واسألهُ إنْ كان يرضيهِ ضنى جسدي ... فحبذا كلَّ شيءٍ كان يرضيهِ
فليت عـــــــينَ حبيبي في البُــــــعادِ ترى ... حالي وما بيَ من ضُرٍ أُقاسيهِ
هـــــــل كنتُ من قـــومِ موسى في محبَّتهِ ... حتى أطـــالَ عذابي منهُ بالتيهِ
أحببتُ كــــــــلَّ سمـــــــيِّ في الانـــــامِ لهُ ... وكلَّ من فيهِ معنىً من معـــانيهِ
يغيبُ عـــــــني وأفكـــــــــــــــــاري تُمثِّلهُ ... حتى يخيــــــلَ لي أنـــي أُناجيهِ
لا ضيمَ يخشـــــــاهُ قـــــلبي والحبيبُ بهِ ... فإنَّ ســاكنَ ذاكَ البيتِ يحميهِ
مَنْ مثـــــلُ قــــلبي أو مَن مثلُ ســـــاكِنهِ ... الله يحفظُ قـــــــلبي والذي فيهِ
يا أحسنَ النـــــــاسِ يا من لا أبــــــوحُ بهِ ... يا من تجَنَّى وما أحــلى تجنِّيهِ
قد أتعسَ الله عيناً صرت توحشهـــــــا ... وأسعدَ الله قلباً صرْتَ تأويهِ
مولايَ أصبحَ وجدي فيكَ مشتهــــــــراً ... فكيفَ أستُرهُ ام كيف أُخفيه
وصــــــــارَ ذكري للــــــواشي بهِ ولِـــــــعٌ ... لـــــــقد تكلَّفَ أمراً ليس يعنيهِ
فمـــــنْ أذاعَ حديثـــــــاً كنتُ أكتُمُـــــــهُ ... حتى وجدتُ نسيمَ الرَّوض يرويهِ
فيا رســــــــــولي تضَرَّعْ في الســــــؤالِ لهُ ... عســــــاكَ تعطِفُهُ نحوي وتثنيهِ
أذا ســـــألتَ فسلْ مَنْ فيهِ مكرمـــــــةٌ ... لا تطلبِ الماءَ إلا من مجـــــاريهِ
يا غائباً وجميلهُ
يا غائباً وجميلهُ ما غابَ في بعدٍ وقربِ
أشكو لكَ الشوقَ الذي لاقيتهُ والذنبُ ذنبي
فَعَسَى بِفَضْلٍ مِنكَ أنْ تَرْعى رَفيقَكَ وَهوَ قَلبي
وَاسْألْهُ عَنْ أخْبَارِهِ وَاستَغنِ عن مَضْمون كُتبي
أيا صاحبي ما لي أراكَ مفكراً
أيا صاحبي ما لي أراكَ مفكراً وَحَتّامَ قُلْ لي لا تَزالُ كَئِيبَا
لقَد بانَ لي أشْياءُ مِنْكَ تُرِيبُني وهيهاتَ يخفى من يكونُ مريبا
تعالَ فحدثني حديثكَ آمناً وَجَدْتَ مكاناً خالِياً وَحَبِيبَا
تعالَ أطارحكَ الأحاديثَ في الهوى فيذكرَ كلٌّ منْ هواهُ نصيبا
إلى عدلكمْ أنهي حديثي وأنتهي فَجُودوا بإقْبَالٍ عليّ وَإصْغاءِ
أعاتبكمُ عتبَ المحبّ حبيبهُ وَقلتُ بإذْلالٍ فَقُولوا بإصفاء
لعَلّكُمُ قَدْ صَدّكمْ عن زِيارَتي مَخَافَة ُ أمْوَاهٍ لدَمعي وَأنْوَاء
فلَوْ صَدَقَ الحبُّ الذي تَدّعُونَهُ وَأخْلَصْتمُ فيهِ مَشيتمْ على الماء
وَإنْ تَكُ أنْفاسي خشَيتمْ لهيبَهَا وهالتكمُ نيرانُ وجدٍ بأحشائي
فكونوا رفاعيينَ في الحبّ مرة ً وخُوضُوا لَظَى نارٍ لشَوْقيَ حَرَّاء
حُرِمتُ رِضَاكم إن رَضِيتُ بغيرِكم أو اعتضتُ عنكم في الجنان بحوراء