خلق الله الناس منفصلين عن بعضهم البعضهم، وأمرهم أيضاً بأن يتفردوا، فلكل إنسان عقل يختلف عن عقل الآخر، وتربية تختلف عن تربية الآخر، وعلم يتفرد به عن الآخر، لكن الجمال يكمن في أنه وعلى الرغم من الاختلاف، فإن البشر جبلوا على أن يكونوا مكملين لبعضهم البعض، بعيداً عن الضغائن والأحقاد الدفينة والسواد الذي يهيمن على القلوب والذي به تختفي المصالح من بين الناس وتسود الحروب والقتل والدمار وتستحيل الحياة إلى جحيم أسود، ودم قاتم، وروائح عفنه منبعها القلوب العنصرية والطائفية. ولكن في بعض الأحيان تتحكم الأنا في اللإنسان مما يؤدي إلى الكوارث، فلا يستيقظ ويصحو ضميره إلا عندما يكون الأوان قد فات. ولكن الإنسان الفطن هو من يتنبه قبل هذا فيكبح جماح شهواته ويمد يده إلى السلام بعيداً عن التعصبات والقبليات والرغبات الشخصية الدنيئة والكريهة.
من أول الطرق وخطوات في مواطن النزاع المتخذة حتى تتوقف الخلافات والمشاحنات، هي الدعوة إلى الحوار، وهنا ينبغي التنبيه إلى ثلاثة مقامات للأطر التي تصنف ضمنها أشكال اتصالنا بالآخرين من حولنا، فالرتبة الاولى هي النقاش، ولا يوجد في النقاش اختلاف، بل على العكس تماماً فالنقاش يكون بين شخصين او اكثر متفقين تماماً على جوهر الفكرة، ويسعيان من خلال نقاشهما إلى إثراء بعضهما البعض بالمعلومات الجديدة التي تغني هذه الفكرة في العقول وتعمل على تثبيت دعائمها، بينما تعبر مرتبة الحوار عن أن الشخصين يختلفان على فكرة معينة ويحاولان معاً ان يصلا إلى نقطة مشتركة يلتقيان عندها وينطلقان منها إلى عمل مشترك متناسين كافة الخلافات، وأخيراً هناك رتبة الجدال والتي تعبر عن حالة بين شخصين او أكثر لا تربطهم فكرة مشتركة ولا يريدون أن يصلوا إلى نقطة مشتركة، بل تريد كل جهة ان تثبت للآخرين أنها تمتلك الفكرة الصائبة.
ومنه فالحوار يسعى دائماً إلى التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وحتى يستوفي الحوار غايته، ينبغي اولاً ان تكون الاطراف راضية بفكرة الحوار من الأصل، لانه إن لم تكن الأطراف قابلة بهذه الفكرة وقتنعة بها ربما ستزيد طاولة الحوار الطين بلة، ويجب أيضاً في حال الجلوس والشروع بالحوار ان يصغي كل شخص إلى فكرة الآخر وأن يضع الجميع نصب أعينهم فكرة الالتقاء وهذه الفكرة لا تكون بهز الرأس فقط، بل تكون بنسيان المصالح والأهواء الشخصية ووضعها جانباً، كما يجب احترام الرأي الآخر وقبوله والرد عليه باحترام والبعد قدر الإمكان عن النظرة الدونية التي ينظر بها عادة المختلفين إلى بعضهم البعض.