يمكن تعريف ومعنى الخوف من الله سبحانه وتعالى على أنّه اتِّباع أوامره واجتناب نواهيه. هذا التعريف ومعنى البسيط ينطوي تحته كل ما يختص العلاقة بين العد وربِّه، فالعبد يتَّبع أوامر الله ويجتنب نواهيه لمعرفته وإيمانه التام بأنّ الله مطَّلِعٌ على أفعاله ومراقبٌ لها، وأنه عزَّ وجل لا تخفى عليه خافية كما في قوله تعالى (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). وأصله أن الإنسان خُلِق خائفاً لقوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)، فهو مجبولٌ على الخوف، والأولى بهذا الخوف أن يكون باتجاه من خلقه وليس الخوف من الخلق، فالخالق أولى وأجدرُ، قال تعالى (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). الخوف من الله من خُصَلِ الإيمان، فالمؤمن دائم المراقبة لربه عزَّ وجلّ، فلا يعمَلُ عملاً أو يقولُ قولاً قد يُغضِب منه الله، ولا يمكن أن يأتي تصرُّفاً يُسيء فيه إلى أحدٍ مخافة الله. فالمؤمن دائماً يضع مخافة الله بين عينيه، ويكون الخوف من الله هو المُحرِّك الأساسي له؛ والمقياس الذي يقيس به كل حركة يأتيها أو كلمة ينطقها. إن إيمان الشخص بالمراقبة الدائمة من الله سبحانه وتعالى تدفعه دفعاً نحو الأعمال الصالحة.
إنّ هذه المعرفة أمرٌ يسير، وقد تكون الأغلبية العُظمى على دراية بها، ولكن الأمر الصعب هو تطبيق هذه المعرفة ووضعها حيِّز التنفيذ. فالإنسان يخاف من العبد أكثر من خوفه من الله، وتجاوز هذا الحاجز يلزمه قوة داخلية وعزيمة من حديد وإصرار كبير، لأنه منذ نعومة أظافره مجبولٌ على الخوف من العديد من أصناف البشر، مع العلم أنه يكفيه موقفٌ واحِدٌ ليخرج من هذه القوقعة التي زرعه المجتمع داخلها. (عرض لرسول الله صلي الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى، فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله؟ فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة، وضع رجله في الغرز ليركب، قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر)، ولا خوف في زمننا هذا أكبر من الخوف من ذوي السلطان، أصحاب السلطة والسطوة. وفي هذا الحديث دعوة صريحة لنبذ الخوف من المخلوق، والبقاء على الخوف من الخالق عزَّ وجل.
في أمثالنا الشعبية قالوا: من يخاف الله، لا تخَف منه. الكلمة بسيطة ومُعبِّرة جداً، فمن يخاف الله لن يرتكب عملاً يُغضِب الله، وهو بالتالي لن يجور على أحدٍ من الخلق. وما دام أنه مراقِبٌ لله في جميع أفعاله وأقواله وحركاته، فالمسلمون في مأمنٍ منه. وعلى العكس من ذلك؛ من لم تجد مخافة الله طريقاً إلى قلبه، فهذا الذي يجب الحذرُ منه، فهو قادِرٌ على فعل كل تعرف ما هو منكر وممنوع، لأنه ليس لديه الرادع لمثل هذه الأفعال. ربتعرف ما هو لا يعرف أنه مُراقب، أو يعرف ولكنه متكاسل، فالخوف من الله مرتبطٌ بالعلم، فكلما زادت معرفة العبد بربه؛ زاد خوفه منه وخشيته من عذابه وسخطه، قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، فالعلماء عندهم المعرفة، وهم الأشدُّ خشيةً لكثرة معرفتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعلمكم بالله أنا، وأشدكم خشية منه أنا). وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أعرف الخلق بالله سبحانه وتعالى. فاتَّقوا الله يا عباد الله، ضعوا الله نَصْبَ أعينكم، اجعلوا كل أفعالكم خالصة لوجهه الكريم (ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).