بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أمّا بعد،
الوئام في اللغة مأخوذ من الجذر (وأم)، والوئام هو الوفاق، والمواءمة هي الموافقة، ومن أهل اللغة من يفسر الوئام بالمباهاة.
يقول ابن منظور: « وأم، ابن الأعرابي: المواءمة الموافقة. واءَمَهُ وِئَامًا ومواءَمَةً: وافقه. وواءَمتُهُ مواءَمَةً وَوِئامًا: وهي الموافقة أن تفعل كما يفعل...، وقال أبو زيد: هو إذا اتَّبع أَثَرَهُ وفعل فعله، قال: ومن أَمْثَالِهم في المُيَاسَرة: لولا الوئام لهلك الإنسان؛ قال السيرافي: المعنى أن الإنسان لولا نَظَرُهُ إلى غيره مِمَّن يفعل الخير واقتداؤه به لهلك، وإنما يعيش الناس بعضهم مع بعض لأن الصغير يقتدي بالكبير، والجاهل بالعالم...، ويُقال: فُلانَة تُوائِم صَواحِباتها إذا تكلفت ما يتكلفنَ من الزينة. » [راجع: لسان العرب].
ويقول صاحب القاموس المحيط: « وائم فلانًا وِئَامًا ومُوَاءَمَةً: وافقه، أو باهاه. وفي المَثَل: (لولا الوئام، لهلك الأنام)، وفُسِّر بمعنيين: الأول ظاهر، والثاني: ليسوا يأتون بالجميل خُلُقًا، وإنما يأتونه مُبَاهاةً وتَشَبُّها » [راجع: القاموس المحيط].
بالنسبة لما قاله صاحب القاموس المحيط: (وفُسِّر بمعنيين: الأول ظاهر...)، فهو يَقْصِد أن المعنى الأول ظاهر ومعروف عند الجميع، وهو الموافقة. وأما قوله: (والثاني: ليسوا يأتون بالجميل خُلُقًا، وإنما يأتونه مُبَاهاةً وتَشَبُّها)، فهو يَقْصِد المعنى الثاني الذي أشرنا إليه فيما تقدم من الكلام، وهو المباهاة.
وبعد هذا الغوص في بطون معاجم اللغة، نستخلص أن للوئام معنيان في اللغة وهما:
وتُتَرْجم كلمة الوئام إلى اللغة الإنجليزية بعدة كلمات، ومن أشهرها: (Rapport)، و (Harmony).
إنّ الوئام أو الاتفاق بالمعنى الأول هو ضد الاختلاف والتفرق، والسعي الجاد بين أبناء هذه الأمة إلى الوئام هو من أهم المتطلبات في هذا الزمان الذي كثرت فيه الخلافات والنزاعات، فمن صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الدعوة إلى الوئام والائتلاف والاجتماع، والابتعاد عن الاختلاف والتفرق والتشرذم، ومما لا شك فيه أن تحقيق الوئام المطلق بين أبناء الأمة في كل المجالات هو أمرٌ مستحيل، ولكن الوئام النسبي أو الأغلبي هو ما يمكن تحقيقه، حيث يتعاون أبناء هذه الأمة فيما اتفقوا عليه، ويَعْذُر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه. ونسأل الله أن يتحقق في بلدان المسلمين هذا الوئام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.