مالك ابن أنس
مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر ذي أَصبح إمامٌ جليل - رحمه الله - من أصلٍ يمنيّ، وُلدَ وتربّى في المدينة المنوّرة في العام الثّالث والتّسعين للهجرة، والدته اسمها العالية بنت شريك الأزديّة، كبر وتربّى في عائلةٍ مشهورةٍ بالعلم، فقد كان جدّه مالك بن أبي عامر من كبار التّابعين، ورواة الأحاديث عن الصّحابة رضوان الله عليهم، مثل عمر بن الخطّاب، وطلحة بن الزّبير، وعائشة أم المؤمنين، وطلحةُ بن الزّبير.
علمه
حفظ الإمام مالك بن أنس القرآن الكريم منذ صغره، حيث كانت البيئة المحيطة به مشجّعة على العلم، ومكان سكنه بالمدينة تزيدُ من رغبته في ذلك، كما كانت أمّه تجّهزه باحسن وأفضل الثّياب ليذهب في طلب العِلم، قائلة له: " اذهب إلى ربيعة، فتعلّم أدبه قبل علمه ".
جالس الإمام مالكٌ ابن هرمز لمدّة سبعِ سنواتٍ في بداية نشأته، وقدّ تأثّر كثيراً بهديه وسمته، وأخذ عن الكثير من العلماء منهم نافع مولى ابن عُمر، والإمام ابن شهاب الزهري، وقد وصفه هذا الإمام بأنّه من أوعية العلم لنباهته وسرعة حفظه للأحاديث.
كان ابن أنسٍ معروفاً بطلبه الشّديد للعلم، حتى أنّه قدّم أمواله كلّها في سبيل العلم، لدرجة أنّه قام ببيْع أخشاب السّقف الموجودة في منزله، وأكمل ابن مالك دراسته وهو في السابعة عشر من عمره، وقد قال في ذلك: " ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أنّي موضع لذلك ".
كان الإمام ابن أنسٍ يتزيّن عند كلِّ مجلس علم ويهتم بهذا الأمر كثيراً، وقد وصفه الواقديُّ، قائلاً: " كان مجلسه مجلس وقار وعلم، وكان رجلاً مهيباً نبيلاً، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، ولا رفع صوت، وإذا سئل عن شيء فأجاب سائله ولم يقل له من أين هذا "، وقد عُرِف عنه أيضاً بأنّه كان يتأنّى ويتروّى في مسألة الإفتاء.
المذهب المالكي
المذهب المالكي هو مذهب الإمام الجّليل مالك بن أنس، والذّي انتشر في العالم الإسلامي بفضل الله أولاً، ثمّ بفضل تلامذة الإمام واجتهادهم ونقلهم للفتيا والعمل والتّقليد عن الإمام، والذّي كان مرجعاً للنّاس ومرداً لهم في المدينة المنوّرة، ومن الخصائص الرّائعة التي اختص بها هذا المذهب التّوسّع في مصادر التّشريع لتشمل جميع مجالات الحياة، والمرونة التي يتميّز بها، إذ إنّ السّلطات الفرنسيّة كانت تسنُّ القوانين المستقاة من المذهب المالكي كما ذكر في كتاب " المقارنات التشريعية "، لمخلوف منياوي، ولسيد عبد الله حسين.