الدعوة الإسلامية
واجهت الدعوة الإسلامية في بداياتها العديد من المصاعب التي تبلورت في كيد أهل مكة من كفارها وصناديدها وتكذيبهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام وتعذيب أتباعه من الصحابة الكرام وإلحاق أشد الأذى به صلى الله عليه وسلم، فكان أن أذن الله لنبيه الكريم أن يهاجر إلى يثرب، وفيها القوم الذين عاهدوه على النصر وبايعوه على الولاء؛ فكانوا نعم الأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثرب مهاجرا إليها استنارت به فأصبحت تدعى بالمدينة المنورة، وقد نزل عليه الصلاة والسلام أول ما نزل بالمدينة في قباء، وقيل إنه نزل على كلثوم بن الهدم، ومكث في قباء عليه الصلاة والسلام عند بني عمرو بن عوف قرابة أربع عشرة ليلة، وأول ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد، فكان هذا المسجد هو مسجد قباء.
مسجد قباء
يدل بناء مسجد قباء في بداية الهجرة النبوية على أهمية وفائدة وجود المسجد في حياة المسلمين، فقد كان المسجد هو منار العلم، وهو الذي فيه تتم العبادات ويتعلم فيه الصحابة الكرام القرآن الكريم، ويسمعون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه تعقد مجالس الشورى ومجالس الحرب، وفيه يقضي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بين الناس، فلم يكن المسجد كتعرف ما هو في أيامنا هذه تؤدى فيه الصلاة ثم يغلق حتى يجين موعد الصلاة التي بعدها، بل هو مجتمع متكامل.
الصلاة في مسجد قباء
يتمتع مسجد قباء بالعديد من الفضائل التي تميزه عن غيره من المساجد باستثناء المساجد الثلاث الكبرى التي تشد إليها الرحال وهي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ حيث إن مسجد قباء هو مسجد من صلى فيه كأنما قد أدى عمرة في سبيل الله كما ورد في الحديث الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة) رواه ابن ماجه، وفي حديث آخر : (صلاة في مسجد قباء تعدل عمرة) رواه أحمد والترمذي وصححه السيوطي.
الصلاة في هذا المسجد كانت مدار التنافس بين الصحابة اقتداء بفعل النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يزور مسجد قباء ويصلي فيه كل يوم سبت، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على الصلاة فيه كما ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (لو كان مسجد قباء في آفاق لضربنا إليه أكباد المطي).
وقد وصف الله سبحانه وتعالى مسجد قباء بأنه مسجد أسس على التقوى، وبأنه في هذا المسجد رجال هم خير الرجال، وذلك حين أراد المنافقون أن يبنوا مسجدا آخر يصرفون به الناس عن مسجد قباء، فكان أن هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المنافقين وهو مسجد الضرار.